العدد الرابع عشر ….النصف الثاني من شهر اب لعام ٢٠٢٣….المرأة في الفنون التشكيلية.. سياقات غنية ودلالات إنسانية مؤثرة
منذ العصور القديمة كانت المرأة حاضرة في كافة أشكال الفنون الإبداعية، في الشعر والأدب والملاحم الأسطورية، ومنذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حضرت المرأة في الآداب والفنون، على نحو أبرز قدرتها الحيوية كفاعل وشريك استراتيجي في كافة مكونات وأسباب الحياة، كان هذا الحضور متجاوزاً تلك النظرة الكلاسيكية التي تركز على المرأة بوصفها رمزاً للخصوبة والنماء والحب، وعلى الرغم من أهمية هذا الدور، فإنها اكتسبت ميزات وخصائص أكدت كونها تعد امرأة فاعلة، وكياناً له دوره في كافة مفاصل الحياة، صار حضور المرأة خاصة في الفنون التشكيلية يتجاوز تلك النظرة الضيقة التي تبرزها كجسد أنثوي محض يثير الغرائز، إلى حضور أكثر رصانة وحيوية، حضور يتجاوز النظرة النمطية أو الاستشراقية التي تركز على المرأة كرمز للدهشة والإثارة إلى كونها امرأة مبدعة وشريكة أصيلة في كافة الأدوار التي تؤكد مكانتها الرئيسية في النهوض والتطور.
** عنصر إلهام
المرأة موجودة في التشكيل منذ القدم بحسب الفنان التشكيلي سهيل بدور، الذي يقول إنها كانت ولا تزال عنصراً مهماً لدلالة وقيمة المرأة إنسانياً قبل أي اعتبار، وأنا أرى أن هذه القيمة هي الأعلى، وأغلب من تناول المرأة كتشكيل لم يكن لديها أي موقف من اللوحة سوى جمال المرأة، وجسدها ودلالتها، وبالتالي كان للمرأة المساحة الأوسع في التشكيل لاستنباط المعاني أكثر منها، فالمرأة هي الأرض والأم، وعليه فإن التشكيل منذ بدء الخليقة اشتغل على جسد المرأة، وقدمها في سياقات غنية ومختلفة؛ كما أن التشكيل أغنى تجربة المرأة جيداً، ويبقى جسد المرأة هو الأكثر إلهاماً في هذا الإطار، وفي الأغلب يدخل الفنان عبر بوابة الجسد مروراً بخصالها الإنسانية؛ وصولاً إلى الهدف الفني المرجو.
لقد اشتُغلت المرأة في التشكيل كركيزة إنسانية هي الأهم باعتقادي، ولا أعتقد بأن وجود المرأة في التشكيل يقل عن الأدب والسرد وغيرهما، سواء منذ القدم، أو في الوقت الراهن؛ إذ لا تزال المرأة منصة حقيقية لصياغة أعمال فنية في مختلف تجليات الفن التشكيلي نحتاً ورسماً وغيرهما، وأرى أن المرأة قد قدمت مساحة واسعة للتشكيل كبنية معرفية، وحياتية وفنية، وعليه فإن المرأة أغنت التشكيل، والعكس صحيح، كما أنها رُسمت في مختلف حالاتها، ولم يبقَ سبب لوجود المرأة إلا ورُسم؛ بوصفها أماً، وطناً، خصوبة، عطاء وغيرها، ولا ننسى أنه في كل العصور قُدمت المرأة كما كانت حاضرة في ذلك العصر، وكما كانت وظيفتها في ذلك الوقت، سواء ربة المنزل أو الفارسة أو الملهمة أو غيرها، والتجربة الإنسانية تضم الكثير من النساء غير الجميلات، ولكن كن مُلهمات لسبب أو لآخر.
** جوهر التشكيل
يرى الفنان التشكيلي إبراهيم العوضي، أن المرأة ماثلة أمام الأعين بشكل جلي منذ الانطلاقة الأولى للفنون التشكيلية، وقد اتضحت معالمها بشكل أكبر في العصور الوسطى، لا سيما عصر النهضة، وهناك الكثير من الاكتشافات لأعمال فنية تتناول هذا الجانب، ومهما اختلف جوهر الفكرة أو التوصيف الدال عليها من شريحة لأخرى؛ فإن الأعمال الفنية كان جوهرها المرأة منذ البداية وإلى يومنا هذا، ولو طرحنا مثالاً بسيطاً في هذا السياق؛ فإن بالإمكان القول إن المرأة كانت موضوعاً للرسم حتى منذ أيام الفراعنة قبل آلاف السنين؛ حيث كانوا يرسمونها على جدران القلاع والمباني، وينقشونها على الصخور وداخل الكهوف.
من وجهة نظر الفنان التشكيلي؛ الحياة كلها عبارة عن لوحة فنية جميلة تماماً كجمال المرأة التي كانت ولا تزال جوهر اللوحة التشكيلية بمختلف تفاصيلها المادية والمعنوية، وهناك أعمال فنية عدة تحولت لاحقاً إلى ما يمكن تسميته بالمعالم الحضارية والتاريخية منذ إنجازها إلى يومنا هذا؛ على الرغم من مرور قرون طويلة عليها، والمرأة بالنسبة لي شخصياً كانت حاضرة في الكثير من أعمالي، ولم أُجسد جزئية بعينها أو موضوعاً دون سواه؛ بل تناولت المرأة بمختلف مواقفها وخصالها، فالمرأة من وجهة نظري تجسد الحياة، النماء، الخير، الطبيعة وكل ما هو جميل، وإذا كانت المرأة بشكل عام حاضرة بجسدها في الكثير من الأعمال الفنية، فإنني لا أسير في الاتجاه ذاته، ولي نظرتي الخاصة في هذا الإطار، فأنا على سبيل المثال لا الحصر أتناول المرأة البدوية والحضرية على حد سواء، وأسلط الضوء على جزئيات أخرى أراها أهم من الجسد، فالمرأة تقف جنباً إلى جنب مع الرجل في شتى ميادين الحياة، وتُعطي وتُضحي، وعليه أحاول تفنيدها في مواضيع وعناصر تبين أهمية المرأة في المجتمع بمختلف مراكزها.