التحيز الأنثوي ضد المرأة عمّق معركة المساواة بين الجنسين.
معركة المساواة بين الجنسين رهينة ثقافة مجتمعية نمطية لا تواجه المرأة في معركة المساواة بين الجنسين تمييزا ذكوريا يثبط عزيمتها فحسب، بل تحيزا أنثويا صعّب عليها مهمة تحقيق المساواة بينها وبين الرجل. ويؤكد خبراء علم الاجتماع أن الثقافة النمطية التي تربت عليها المرأة، وخصوصا في المجتمعات العربية، هي التي جعلتها تتنكر لحقوق بنات جلدتها ولا تعمل على تغيير الذهنية السائدة في التعامل معها، ما زاد في تهميشها.
لم تتمكّن الاتفاقية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر سبعينات القرن الماضي -والتي غالبا ما توصف بأنها الشرعة الدولية لحقوق المرأة.
– ولا القوانين التي أتت بعدها، من القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فمعركة المساواة بين الجنسين أكبر من أن تحسم فصولَها بعضُ القوانين أو البنود أو المعاهدات، فقد تجابه المرأة في معركتها تحيزا أنثويا ضدها أخطر من التمييز الذكوري.
هذا التحيز، قد يؤثر في أغلب الأحيان على تمثيليتها في مجالات مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، حيث يُنظر إلى النجاح على أنه يعتمد على مستويات عالية من القدرة الفكرية، توجد لدى الرجال ولا توجد لدى النساء.
ويمكن أن يمتد ذلك أيضا إلى مجالات أخرى من مجالات الحياة البشرية، مثل مجال السياسة، حيث توجد قوالب نمطية جنسانية مرتبطة بأدوار القيادة.
وكشف تقرير مؤشر القواعد الاجتماعية بين الجنسين، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عن أن ما يقرب من 90 في المئة من سكان العالم متحيزون ضد النساء.
وذكر التقرير أنه على الرغم من التقدم المحرز في تحقيق المساواة بين الجنسين، فإن 91 في المئة من الرجال و86 في المئة من النساء لديهم تحيز واحد على الأقل ضد النساء في مجالات السياسة أو الاقتصاد أو التعليم أو العنف أو الحقوق الإنجابية.
وأوضح التقرير أن ما يقارب الـ9 أشخاص من كل 10 أشخاص مختلطين في العالم، يضمرون نوعا من التحيز ضد المرأة. واستند القائمون على إنجاز مؤشر القواعد الاجتماعية بين الجنسين،إلى تحليل بيانات تم جمعها من 75 دولة تشكل مجتمعة أكثر من 80 في المئة من سكان العالم.
وكشف المؤشر أن ما يقرب من نصف الأفراد يشعرون بأن الرجال أكثر تفوقا في مجال السياسة، وما يقرب من ثلث الرجال والنساء يعتقدون أنه من المقبول للرجل أن يضرب زوجته، وأن الرجال يصلحون أكثر من النساء ليكونوا مسؤولين سياسيين أو رؤساء شركات.
وأن ارتياد الجامعة يهم الرجل أكثر مما يعم المرأة، وأن الأولوية ينبغي أن تعطى للرجال في سوق العمل عندما تكون الفرص نادرة.
ودعا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي نشر التقرير، الحكومات إلى تطبيق تشريعات وسياسات تعالج التحيز المتأصل.
وقال بيدرو كونسيساو، مدير مكتب تقرير التنمية البشرية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، “نعلم جميعًا أننا نعيش في عالم يهيمن عليه الذكور، لكن الإحصاءات التي يعرضها هذا التقرير مروعة”.
وأضاف “في الوقت الذي تتراجع فيه هذه التحيزات في العديد من البلدان، نجدها تتصاعد بكثرة في دول أخرى”.
وقالت آشيم شتاينر من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، “يجب أن تتطور الآن الجهود التي أثبتت فاعليتها في القضاء على الفروقات في مجال الصحة والتعليم، إلى مواجهة مشاكل شائكة أكثر هي المعتقدات الراسخة لدى الرجال والنساء على حد سواء، والتي تحول دون حصول مساواة فعلية بين الجنسين”.
كما كشف بحث جديد نُشر في مجلة “علم النفس الاجتماعي التجريبي” العلمية في شهر سبتمبر من عام 2020، أن ما يقرب من 75 في المئة من الأشخاص الذين شملهم استطلاع من أكثر من 78 دولة في العالم، يربطون ضمنيا مستويات الذكاء العالية بالرجال أكثر من ربطها بالنساء.
وسأل الباحثون أكثر من 3600 شخص، بمن في ذلك الأطفال، عما إذا كانوا يتفقون مع التصوّر النمطي الذي يقر بأن الرجال أكثر ذكاء من النساء، فأكدوا أنهم لا يتفقون مع ذلك.
لكن إجراء اختبار يقيس تحيزهم الضمني، أو المواقف أو التصور النمطي الذي يؤثر دون وعي على قراراتهم، أكد أنه ما بين 60 في المئة و75 في المئة من المشاركين أظهروا بعض الأدلة على التصور النمطي الضمني، الذي ربط الذكاء بالرجال أكثر من النساء.
وقال أندريه سيمبيان -مؤلف مشارك في البحث وأستاذ في قسم علم النفس في جامعة نيويورك- إنه إذا قام الباحثون بتبديل التصور النمطي عن الذكاء مع القوالب النمطية الأخرى، فإن نفس النوع من الآليات يتكشف في المجالات الأخرى، حيث تكون المرأة ممثلة تمثيلا ناقصا.
وأضاف أن دراسة الذكاء بين الجنسين، كانت محاولة لتوثيق ما إذا كان الناس يؤيدون التصور النمطي الذي يربط الذكاء والعبقرية بالرجال أكثر من النساء.
تنكر للحقوق
التحيز يؤثر في أغلب الأحيان على تمثيلية المرأة في مجالات مثل السياسة والعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
وتعد المساواة بين الجنسين، إلى جانب كونها حقا أساسيا من حقوق الإنسان، أمرا ضروريا لإطلاق إمكانيات المجتمع الكاملة. ورغم أن النساء والفتيات يمثلن نصف سكان العالم، وبالتالي نصف إمكانياته، إلا أن التمييز ضد المرأة ما زال يكبلها رغم ما سجلته من تقدم على مدى قرون، ممّا خلق حواجز خفية بين الجنسين.
وتعرف المساواة بين الجنسين على أنها توفر الفرص نفسها للنساء والرجال، وأن يتمتعوا كلهم بنفس الحقوق وهي أيضا سهولة الوصول إلى الموارد بغض النظر عن نوع الجنس، ويشمل ذلك المشاركة الاقتصادية والمشاركة في صناعة القرار وتقييم السلوكيات المختلفة والحاجات، لكن ما زالت المساواة غير متحققة في المجتمع.
ولا تعاني المرأة من تميز ذكوري فحسب بل من تحيز أنثوي صعّب مهمتها في تحقيق المساواة مع الرجل.
وفسرت فتحية السعيدي المختصة في علم الاجتماع هذا السلوك بأن النساء يستبطن ثقافة مجتمعية نمطية تقوم على تقسيم الأدوار بين الأفراد بما يحول دون تحقيق المساواة بين الجنسين، ولا يرغبن في التخلص منها أو تغييرها.
وقالت السعيدي “إن النساء والرجال نتاج لتنشئة اجتماعية تقوم على التمييز بين الذكور والإناث، وخلال عملية التنشئة ينتقل مفهوم التمييز إلى الأسرة والمجتمع ويتم التقسيم التقليدي للأدوار الاجتماعية بحيث يصبح الرجل مهيمنا على المرأة وعلى قيادة الأسرة”.
وأشارت إلى أن هذا السلوك تغلغل في المجتمع عبر الثقافة الأبوية وعبر عوامل تاريخية وحتى دينية. ودعت إلى ضرورة التغيير وتبني ثقافة حقوق الإنسان.
من جهته دعا المختص في علم الاجتماع محمد الجويلي إلى ضرورة الاشتغال على تغيير الذهنية وتقبل المرأة في صنع القرار، مشيرا إلى أن هذه المسألة تختلف من مجتمع إلى آخر ومن بلد إلى آخر.
وقال الجويلي في تصريح سابق له إنه “من الصعب أن تتغير الذهنية بشكل سريع”، مضيفا أن “الهيمنة الذكورية لا يشارك فيها الرجال فقط بل تشارك فيها النساء أيضا”.
وفي تفسيره لمسألة الأحكام المسبقة ضد النساء قال الجويلي “إن ذلك إرث عدّة قرون”، مشيرا إلى أن المخزون الثقافي للمجتمعات يحيلنا إلى أن السلطة والمكانة الجيدة هما للرجل على حساب المرأة.
المرأة التي تربت في فضاءات مغلقة من طرف أم مارست عليها الإقصاء، تواجه هذا العنف بعنف رمزي عندما تكبر
ويرى الباحثون أن المرأة نفسها قد تغذي هذا السلوك وذلك إما بالهيمنة على الفتاة منذ الصغر وفرض سلطة ذكورية (أبوية أو أخوية) عليها، فتجعلها تنهل مما نهلت منه هي من تمييز ودونية، أو أن تتنكر لحقوقها ومطالب بنات جنسها وتتحيز إلى الرجل.
وتحيلنا قضايا الاغتصاب التي تكون فيها المرأة هي الضحية والجلاد في ذات الوقت، على مفهوم التحيز الأنثوي ضد المرأة، ففي حين ينادي الرجال بإعدام المغتصب لانتهاكه حرمة المرأة والاعتداء عليها في حوادث الاغتصاب تطالب بعض النساء بالعفو عنه، ويحملن بنات جلدتهن مسؤولية وقوع الجريمة بتعلة أن المرأة التي لا تكون محتشمة في لباسها تكون عرضة للاغتصاب، وهو ما أكده الباحث الفلسطيني عبدالغني سلامة في كتاباته حول المرأة.
وقال سلامة “في وقتنا الحاضر، نرى نساء يتحيزن إلى الرجل، ويتنكرن لحقوقهن ومطالب جنسهن تحت تأثير دعاوى غيبية وأيديولوجية، أو بسبب الموروثات الثقافية”، مشيرا إلى أن التناقض بين طموح المرأة والخطاب الذكوري المخصص لقهرها، ولّدَ لديها صراعا نفسيا مريرا، جعلها تنكفئ على ذاتها وتتقوقع في بوتقة خاصة على مقاس الرجل.
وأضاف أن “الرجل زج فيها كل مفاهيمه الأنانية والمتخلفة عن الأنوثة والأمومة وطبيعة المرأة وواجبات الزوجة، حتى أُستُلِبت فكريا وتأقلمت مع هذه المفاهيم، فقنعت بأن تكون متاعا أو سلعة تُعرض في الدعايات التجارية ودور الأزياء، أو أن تبقى تابعة للرجل متنازلة عن حقوقها الطبيعية، وتقبع في الدرجات السفلى من السلم الاجتماعي، راضية بما اقتنع به عقلها المستلب وانسجم مع تفكيرها السطحي، بأن أنوثتها لا تكتمل إلا من خلال تبعيتها للرجل”.
عنف رمزي
ويرجع بعض علماء الاجتماع تحيز المرأة ضد المرأة إلى طبيعة المنافسة بينهما؛ ذلك أنهما تمتلكان نفس الظروف ولديهما نفس الأساليب ونفس الانتظارات. ويذهب علماء الاجتماع إلى أبعد من ذلك في تفسيرهم لظاهرة التحيز الأنثوي ضد المرأة. ويؤكدون أنها قد تتخذ نوعا من العنف الرمزي أو المعنوي.
ويشير عبدالستار السحباني، عالم الاجتماع، إلى أن المرأة التي تربت في فضاءات مغلقة من طرف أمها التي مارست عليها الإقصاء، تواجه هذا العنف بعنف رمزي عندما تكبر.
واعتبر السحباني في تصريح لـه أن “الحركة النسوية في تونس، حركة نخبوية لم تنزل إلى قلب المعركة”.
وقال السحباني يجب أن تبنى التنشئة وفق علاقة أفقية تشاركية وليس وفق علاقة عمودية تولد العنف.
كما عاب على المرأة الصورة المزدوجة التي تظهرها متحررة في حين أنها في داخلها مازالت تقليدية. ودعا إلى ضرورة تغيير الصورة النمطية في التعامل مع المرأة.
من جهتها دعت السعيدي إلى ضرورة التخلص من الترسبات الثقافية التي تكرس التمييز ضد المرأة. وقالت السعيدي إنه على الأشخاص تبني ثقافة حقوق الإنسان والمساواة والقضاء على العنف الذي يعتبر بدوره تمييزا.
وعانت النساء في مختلف أصقاع العالم من العنف المادي والمعنوي وخصوصا خلال فترة الحجر الصحي الشامل، على خلفية جائحة كورونا، مما جعلهن في مواجهة غير عادلة. وأصبحن يتحملن لا فقط أعباء المنزل والعمل وتربية الأطفال بل أيضا تَبِعات الضُّغوط النفسية والاقتصادية التي تعيشها العائلة.
وتؤكد الإحصائيات الرسمية تعرض امرأة للتعنيف كل 45 دقيقة في تونس منذ بداية الحجر الصحي الشامل، مشيرة إلى أن العنف تضاعف 7 مرات وأن قرابة 4 آلاف مكالمة هاتفية تلقتها وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن على رقمها الأخضر المخصص لتلقي الشكايات.
كما اعتبرت منظمات نسوية تونسية، أن الفصل العاشر من الأمر الحكومي المتعلق بضبط إجراءات الحجر الصحي الموجه، قد يكرس التمييز على أساس الجنس ويتضمن مخالفة واضحة للدستور التونسي في فصله 21 المتعلق بالمساواة بين المواطنات والمواطنين، إضافة إلى كونه يعمق البنى الاجتماعية التقليدية.
وذكرت هذه المنظمات أن الفصل العاشر سيكون لتطبيقه أثر واضح من حيث عرقلة المسارات المهنية للنساء، لاسيما أنه تغافل عن كل النساء المعيلات لأسرهن بمفردهن، والمشتغلات غالبا في القطاعات غير المهيكلة، ويحرمهن من إمكانية العمل دون أن يقترح بديلا أو حلا لوضعهن الاقتصادي الحرج.
وذكرت المنظمات أنها “نبهت منذ بداية الحجر الصحي إلى عودة كافة مظاهر التمييز الذكوري ومنها تعميق التقسيم غير العادل للأدوار داخل الأسرة، والذي يثقل كاهل النساء بالوظائف الإنجابية من تنظيف وطبخ وتعقيم وعناية بالأطفال وكبار السن وتدريس وغيرها، وهي أدوار طالما ظلت غير مثمنة وغير معترف بمساهمتها في الدورة الاقتصادية وإنتاج الثروة”.
وفي المغرب ارتبط الحجر الصحي بارتفاع العنف الزوجي الممارس ضدّ النساء بأشكاله المختلفة من عنف نفسي وجسدي إلى عنف اقتصادي.
وقد سجلت فيدرالية رابطة حقوق النساء، في المغرب، أن العنف الجسدي تجاوز نسبة 12 في المئة، مع تسجيل بعض حالات العنف الجنسي، إضافة إلى تسجيل حالات الطرد من بيت الزوجية، كفعل استدعى بإلحاح التدخل لتوفير خدمة الإيواء. كما أكدت الفيدرالية أن العنف الاقتصادي احتل المرتبة الثانية بنسبة 33 في المئة.
وقد وصف تقرير لاتحاد العمل النسائي الحياة التي تعيشها فئة من النساء المغربيات داخل البيوت المزدحمة في زمن الحجر الصحي، مع ما يطال هذه الفئة داخل تلك البيوت من عنف، بـ”الجحيم”. وقال إن النساء يتعرضن لمختلف أشكال العنف الجسدي والنفسي، والحرمان من الإنفاق، ومنهنّ مَن يتعرّضن للتهديد بالقتل.