المرأة السورية من الظلم إلى المظلومية!

حال المرأة السورية قبل استلام نظام الأسد الحكم

كانت بصمة المرأة السورية في أثناء الاحتلال الفرنسي قوية لا يمكن تجاهلها إذ لم يقتصر الحضور النسائي على الصالونات الأدبية والمجلات النسائية (لبيبة هاشم) التي أسست مجلة فتاة الشرق، و(ماريا عجمة) التي أسست عام 1910 مجلة العروس وساهمت في تأسيس عدد من الجمعيات النسائية، كان لها دور مشهود في مواجهة الاحتلال الفرنسي، لتأتي ثريا حافظ صاحبة منتدى سكينة الأدبي التي كان لها الدور الأكبر للوجود النسائي السوري في الحياة العامة، إذ شجعت النساء على الوقوف ضد الاحتلال الفرنسي والعمل على إسعاف الجرحى ومواساة أسر الشهداء ورعاية أطفالهم، وحثت على أن يكون للنساء صوت انتخابي، وكانت أول سورية ترشح نفسها للانتخابات العامة.

عام 1949 منحت النساء السوريات حق الانتخاب ولكنها لم تمنح حق الترشح للانتخابات إلا في عام 1950، أسس الاتحاد النسائي عام 1967، بوصفه أول مؤسسة نسائية رسمية، ومن ثم بدأت ملامح الحضور النسائي في المجتمع السوري تأخذ دوراً قوياً، لكن الوضع العام في البلد لم يكن مستقراً بسبب سيطرة العسكر على الحكم فكان وضع المرأة أيضاً غير مستقر فيها من ناحية العمل والوجود في الحياة العامة ليبدأ عهد جديد بوجود حكومة جاءت من صفوف العسكر بقيادة حافظ الأسد ويبدأ عهد جديد في حياة االسوريين.

واقع المرأة السورية في ظل حكم حافظ الأسد

بدأت ملامح حكم آل الأسد التي حاولت رسم سياسة طويلة المدى طالت جوانب الحياة كلها في سورية قالبها الظاهر اشتراكي ولكن حقيقتها دكتاتورية من جوانبها كلها، إلا أن واقع المرأة في تلك المرحلة تغير جذرياً فكان أول دخول لها إلى البرلمان في عام 1973.كان عدد النساء خمسة من أصل 186 وفي تغيير الدستور عمد حافظ الأسد إلى أن يشمل التغيير واقع المرأة فكان من أحد بنوده تساوي المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات، تكفل الدولة مبدأ تكافل الفرص بين مواطنيها، وتكفل الدولة للمرأة الفرص جميعها التي تتيح لها المساهمة الفاعلة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع.أخذت المرأة موقعها في القيادة منذ عام 1970 وكانت نسبة تمثيلها في مجلس الشعب 12 في المئة إلا أن هذا الكلام الذي جاء في الدستور في خطابات حافظ الأسد يطال فئة محددة من النساء السوريات، وفيه كثير من المحاباة والمحسوبيات في وصول المرأة إلى منزلة مرموقة في مؤسسات الدولة، الاتحاد النسائي الذي كان قد أسس سابقاً مثله مثل مؤسسات البعث كلها؛ لم يؤدِّ دوراً حقيقاً في تغير واقع المرأة السورية.دخلت المرأة في مرحلة حكم الأسد قطاعات الدولة المختلفة من صحة وتعليم وقضاء وكان هناك إقبال كبير على التعليم، لكن هذا الوضع نسبي إذ إن عوامل كثيرة من عادات وتقاليد في المجتمع السوري صنعت تفاوتاً كبيراً في وجود المرأة في سوق العمل من منطقة إلى منطقة أخرى، إذ كانت بيئات معينة ترفض أن تعمل المرأة سوى في التعليم أو أن تكون طبيبة فلا يسمح لها أن تدخل في مجال الهندسات أو القضاء أو وظائف الدولة الأخرى.لكن في التسعينيات أصبح هناك وجود أوسع للمرأة في السلك الدبلوماسي والقضاء، فأخذت منصب نائب عام 1998 ودخلت ساحة العمل الإعلامي فكانت نسبة 38 في المئة من أعداد اتحاد الصحافيين من النساء، ودخلت القطاع العسكري عندما أحدثت الكلية العسكرية الخاصة بالإناث وبذلك تكون قد دخلت قطاعات العمل كلها، شمل هذا التطور النساء في الريف والمدينة على حد سواء، وأصبح وجود المرأة في الحياة العامة أمراً واقعاً فكانت رئيس مركز اتصالات ومدير مستشفى ورئيس تحرير جريدة ومدرّسة وعاملة في مصنع.

لكن أغلب النساء كانت تدفع ثمن مشاركتها في الحياة العامة للرجل المسؤول عنها سواء كان أخاً أم أباً أم زوجاً، تقول فاطمة لقد عملت في التدريس مدة 30 عاماً لم استلم راتبي إلا مرات معدودة إذ كان زوجي يأخذ الراتب وكأنني أعمل موظفة لديه، لم يكن لدي رغبة في ادخار المال ولكن كنت أشعر أنه يقبض ثمن السماح لي بالعمل.بقيت المرأة السورية في الساحة العامة في مرحلة حكم حافظ الأسد تمارس حقها في العمل في قطاعات الدولة والقطاع الخاص وكانت السمة العامة في تلك المرحلة إقبال النساء على إكمال تعليمهن الجامعي وأصبحت الصفة العامة للمرأة السورية أنها تحمل كماً كبيراً من الثقافة والتعليم، على الرغم من أن أسماء شخصيات نسائية كانت تكرر في الحياة السياسية مثل نجاح العطار، عموماً تقاس المشاركة الاقتصادية والمشاركة في صنع القرار من خلال النسبة المئوية للنساء في مناصب رفيعة المستوى والمناصب في الدوائر العامة فكانت نسبة النساء في الوزارات 7 في المئة، أما في السلك الدبلوماسي فكانت 11 في المئة، وفي الإعلام 38 في المئة وهي نسبة جيدة نوعاً ما.

واقع المرأة السورية في ظل حكم بشار الأسد

مع وصول بشار الأسد إلى الحكم بطريقة غير شرعية حاولت أسماء الأسد أن ترعى فاعليات نسائية بدعم من الاتحاد الأوروبي فأسست ما يسمى الأمانة السورية للتنمية، أرادت من خلالها أن تظهر اهتماماً كبيراً بالمرأة السورية وذلك بدعم من الإعلام السوري.وحاولت أن تظهر وجود منظمات مجتمع مدني في المجتمع السوري تعطي المرأة السورية حقها بأن تكون قيادية أو تأخذ دورها الفاعل في المجتمع، هذا الدعم المزعوم اقتصر على ورشات الخياطة والأعمال اليدوية وابتعد البعد كله عن وجود دور سياسي فاعل للمرأة السورية.في 2002 جرت استضافة مؤتمر سيدات الأعمال في الشرق الأوسط الذي لم تأخذ منه المرأة السورية أي نتائج، ليأتي مؤتمر المرأة السورية التركية عام 2008 حضرته أمينة أردوغان وكان شعاره تطوير الدور الاجتماعي للمرأة، إلا أن هذا التطوير المزعوم لم يطل النساء السوريات بصورة حقيقية وفاعلة.

استفادت بعض النساء في مناطق محدودة من الرعاية والتمكين وهمشت مناطق كثيرة تهميشاً مقصوداً طبعاً، هذا التهميش كان استمراراً للإهمال المقصود التي تعمده حكم البعث منذ استلامه الحكم، ومن ثم ظل الكيل بمكيالين والمحسوبيات والتمييز في فرص العمل يحكم واقع المرأة السورية على الرغم من أن أسماء الأسد حاولت أن تعطي صورة مزيفة عن الواقع الحقيقي الذي تعيشه المرأة السورية، وصوّرتها حاصلة على الاهتمام كله والحقوق من االدولة.

تأثير الانتفاضة السورية في عمل المرأة في مناطق سيطرة النظام

منذ انطلاق اول صرخة للثورة السورية انضمت النساء إليها فوقع عليهن ما وقع على الرجال من ملاحقة واعتقال وابتزاز؛ ظهرت أسماء نسائية رمزية مثل (رزان زيتون) و(منتهى سلطان باشا الأطرش) و(مي سكاف) ودخلت النساء في تظاهرات المدن السورية كلها.لكن بعد أن تحول مسار الثورة إلى المسار العسكري أخذ دور المرأة حيزاً آخر فأصبحت ناشطة إعلامية وممرضة في المستشفيات الميدانية، وعملت في مجال تأمين المواد الغذائية، وكن يؤدين دوراً كبيراً في إخفاء الشباب ومساعدتهم على الهرب من سطوة النظام في كثير من الأوقات، دفعت المرأة السورية الضريبة الأقسى إذ كانت أمام خيارات أقلها يحمل من الصعوبة ما لا يتحمله رجال، كانت المعيلة لأسرتها في غياب الرجل، تحمل عبء المحافظة على نفسها أمام ضعفاء الأنفس من أصحاب العمل، ودعم أبنائها نفسياً حتى يستمروا أشخاصاً أسوياء في ظل مآسٍ يومية يعيشونها.

في الجانب الآخر ظهرت في الساحة حرف جديدة تعمل فيها النساء، وبخاصة من الجيل الشاب، لم تكن مقبولة في المجتمع السوري مثل العمل في المطاعم والملاهي الليلية والعودة إلى المنازل في ساعات متأخرة في ظل غياب الأخ والأب، وحتى العمل في محال بيع الخضار أو على بسطة في الشارع، على الرغم من وجود الفوضى الأمنية المخيفة.تقول أماني (طالبة جامعية) المقيمة في دمشق، قسم كبير من زميلاتي يعملن في ما يسمى الدفاع المدني أو المدارس الخاصة التي انتشرت كثيراً من دون رقيب، وأصحابها طبعاً من أصحاب النفوذ الموالين للنظام، والمقاهي الليلية وأصبحت فرص كثيرة متاحة أمام النساء في ظل هجرة قسم كبير من الشباب وذهاب القسم الآخر إلى الخدمة الإلزامية.قد تكون فرص العمل متاحة ولكن كلها محفوفة بالمخاطر والتنازلات التي أجبرت عليها النساء بسبب غياب المعيل وعدم القدرة على الخروج من مناطق النظام، إحدى زميلاتي حاولت الانتحار عندما تعرض لها رب العمل ولم تجرؤ أن تخبر والدتها التي فقدت إخوتها الذين انضموا إلى صفوف الثورة خوفاً عليها لأنها أصلاً تعاني وضعاً صحياً سيئاً جداً.

أما فاطمة طالبة في كلية طب الأسنان في جامعة حلب تقول: لم أستطع العودة إلى أهلي في مناطق إدلب المحررة خوفاً من الخطف أو الاعتقال ولم يكن أمامي سوى أن أكمل تعليمي وأجبرت على تأمين فرصة عمل، إذ إن الأعباء المالية كبيرة جداً، صاحبة الصالون تستغلني بطريقة بشعة لأنها تعلم وضعي وعجزي عن العمل في مكان آخر خوفاً على نفسي من استغلال أصحاب الأنفس الضعيفة، أعمل ساعات طويلة حتى أؤمن مبلغاً بسيطاً من المال، كثيرات من زميلاتي يعملن في الطريق نفسه ويتعرضن لاستغلال أرباب العمل لأنهم يعلمون أنها طالبة وبحاجة إلى أي عمل ولو بمبلغ بسيط. علاوة على التصرفات غير اللائقة التي تتعرض لها أغلب الفتيات، لكنه قدر فرض علينا ولم نختره، واقع مرعب نعيشه كل يوم على أمل أن تتاح لنا فرصة العودة إلى ذوينا.

تأثير الانتفاضة السورية في عمل المرأة في مناطق سيطرة المعارضة

أعداد كبيرة من النساء أجبرن على النزوح من بيوتهن فكانت المناطق المحررة مفتقرة إليهن ليتقاسمن الحياة مع أصحاب المنطقة الأصليين، واقع النزوح الصعب في ظل أوضاع اقتصادية وإنسانية تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة. تبحث المرأة السورية بكل ما تمتلك من قوة عن فرصة عمل لتعول نفسها وأطفالها واضطرت في أغلب الأحيان إلى القبول بخيارات تبتعد البعد كله عن مهنتها الأصلية، فعملت في الزراعة وهي حقوقية وحتى في الإنشاءات.

في الطرف الآخر أعداد كبيرة من المتعلمات مارسن مهناً لا علاقة لها باختصاصهن. ولكن الجرح الأكبر الذي تعانيه النساء بعد ما حصل كله وما دفعن من ثمن أن المحسوبيات ما زالت منتشرة في المنظمات كلها والعمل في الجمعيات لا علاقة له بالكفاءة العلمية بل القرب من مؤسس الجمعية أو مديرها، واقع الفساد الكبير الذي تعيشه مؤسسات الثورة وجمعياتها في المناطق المحررة جعل من الصعب على النساء صاحبات الكفاءة والالتزام الحصول على فرصة عمل.

عبير الحقوقية صاحبة الشخصية المتزنة تقول أعمل في بيع الخضار في محل صغير افتتحته بعد أن بعت اخر قطعة مصاغ أمتلكها، بعد أن تعبت من البحث عن فرصة عمل في منظمات معارضتنا وجمعياتها التي تتاجر بنا كما يتاجر بنا النظام فلم أجد أمامي سوى هذا العمل لأؤمن حياة أبنائي.

وبالقرب مني محل لبيع الأجبان والألبان صاحبته مهندسة مدنية ذات كفاءة وخبرة عالية، أخذت فرصتها في العمل فتاة لم تحصل على الثانوية العامة ولكنها قريبة مدير إحدى المنظمات.

وأما عن دور المنظمات النسائية في المناطق المحررة تقول آلاء: نخضع لدورات تلتقط لنا فيها صور باسم مراكز تمكين المرأة ونوعد بفرص عمل ولا يتحقق أي وعد من هذه الوعود، أشعر أننا أدوات لتحقيق أهداف أصحاب مراكز تمكين المرأة التي تتقاضى المال مقابل تلك الدورات، تجلس النساء في المخيمات التي بنيت على عجل بالقرب من الحدود التركية يتبادلن أحاديثاً عن حياتهن القاسية كما تقول أم خالد: نواجه صعوبات كبيرة في تربية أبنائنا وإرشادهم إلى السلوكات الصحيحة في ظل الفوضى، حياة عشوائية في كل شيء، أغلب النساء يعملن ساعات طويلة لتأمين الحد الأدنى من الغذاء لأطفالهن، فمنهن من تعمل في بيع الملابس أو أدوات المطبخ وبعضهن الآخر يقوم بجمع الخردة، ففي واقع النزوح نفتقد إلى العلاج والرعاية والتعليم، أكثر من 7000 امرأة سورية يعيشن في المخيمات الحدودية، يؤدين دور الطبيبة والمعلمة تجاه أطفالهن بسبب تغافل المنظمات المعنية بشؤون المرأة أو عدم وجودها أصلا، ولكن على الرغم من ذلك فقد أخذت المرأة حيزاً كبيراً من الحرية ودخلت ميادين جديدة من العمل ودورات وخبرات كانت بعيدة كل البعد عن واقعنا نحن نساء سوريا، لم نسمع بها من قبل، فعلى الرغم من الصعوبات كلها فقد صقلت الثورة شخصية المرأة السورية وأعطتها القدرة على مواجهة صعوبات الحياة وأصبحت تضاهي الرجال في كثير من الأحيان.

المرأة السورية في بلدان اللجوء

كان عدد السوريين في تركيا كبيراً بسبب قرب تركيا من الحدود السورية، هناك إحصاءات حكومية تركية تقول إن ما يقارب ثلاثة ملايين سوري موجودون في تركيا أغلبهم موجودون على الشريط الحدودي مع سورية والقسم الأكبر منهم لا يعيشون في المخيمات ومن ثم فهم يحتاجون إلى مردود مالي كبير لكي يكملوا حياتهم، في الأسر السورية في حال وجود الرجل فهو يعمل مع أبنائه أغلب ساعات اليوم لتأمين إيجار المنزل وباقي مستلزمات الحياة اليومية، وفي أغلب الأحيان قد غاب الرجل عن الأسرة إما اعتقالاً أو استشهاداً أو تعرضاً لإصابة جعلته مقعدا.لم تستكن النساء بل أبدعن في خلق فرص عمل، فكان المطبخ المنزلي والخياطة وتصنيع الحلويات ومهن لم يخطر في بال أن تمارسها النسوة يوماً ليبدعن ويتركن بصمة في المجتمع التركي.

زينب صاحبة الاستراحة التي تبيع المعجنات وتعد الفطائر على التنور تقول: بدأت مشروعي بمبلغ ألف ليرة تركية والآن تعمل لدي ثلاث نساء سوريات براتب مقبول، طورت المكان إذ أضفت مكنة لصنع البوظة والعصير والحمد الله دخل يكفيني لإعالة أبنائي على الرغم من الصعوبات والمضايقات كلها التي تعرضت لها في بداية عملي ولكن الكل سواء سوريين أم أتراك ينظرون إلي نظرة احترام.تقودنا زينب مبتسمة إلى سيدة تحتسي كوباً من الشاي وتطلب منها أن تروي لنا قصتها؛ فاطمة التي خطر في بالها إقامة مشروع تجميع النفايات البلاستيكية؛ تقول فاطمة بدأت فكرتي عندما كان عدد كبير من الشباب السوريين يجمعون النفايات البلاستيكية ويبيعونها بأسعار زهيدة لمركز مختص في إعادة تدوير البلاستيك، كان لدي مستودع في البناء الذي أستأجره فطلبت من هؤلاء الشباب أن نتعاون معاً، وبدأ المشروع وأصبحنا نتقاسم الربح معاً والآن وبعد سنتين أصبح لدي ثلاث مراكز وخمسين شاباً سورياً تعرضنا لكثير من المضايقات من أصحاب المراكز الأتراك في البداية إلا أن صاحبة المنزل كانت تدعمني وتقف إلى جانبي وتقول إن العمل لها، على الرغم من المصاعب كلها لكن ليس أجمل من أن تأكل لقمتك من تعبك.

أما شريحة النساء الجامعيات أو المتعلمات فقد عملن في قطاعات التعليم والمنظمات فكانت المدارس السورية الموقتة تؤمن فرص عمل لا بأس بها لهن، تقول إيمان مسلماني كاتبة وإعلامية: لم تمر حوادث الثورة السورية على المرأة السورية بوصفها أمراً سيئاً بالعموم أو جياًد بالعموم، فقد أعطتها طاقة إيجابية كبيرة على الاستمرار مع ما عانته من فقدان أحبة ونزف دماء وخسارة عمل وتهجير من الديار، اضطرت إلى البحث عن لقمة العيش وعمل يليق بها في بلد اللجوء التي أثبت فيها كفاءتها في المجالات التي عملت فيها معظمها على الرغم من تحديات اللغة الجديدة وسوء أرباب العمل وأحيانا اختلاف الثقافة العامة للبلد الجديد وغالباً حاجتها إلى العمل في مجال جديد كلياً لا يتعلق بشهادتها أو خبرتها السابقة، فقد بدأت من تحت الأنقاض لتنفض عن كاهلها الحزن والألم وتتميز في عملها، أدهشت من حولها بقوة إرادتها وثباتها وبخاصة أنها دخلت ميادين عمل جديدة عليها كالإعلام والسياسة الذي لم تمارسه من قبل فأثبتت فيه مهارتها ووثباتها.

اما هيفاء العمر الصيدلانية التي تدرس اللغة التركية في إحدى المدارس الموقتة تقول، كان زوجي قاضياً وأنا صيدلانية وكلانا لم نجد فرصة عمل، تعلمت اللغة التركية وبدأت العمل في التعليم في إحدى المدارس الموقتة منذ خمس سنوات وأنا اعيل بيتي وأطفالي من مهنة جديدة، تعبت كثيراً لأتقنها، تكمل هيفاء خروج المرأة إلى العمل كان ضرورياً اقتضته التغيرات التي دخلت على حياتنا فكانت المرأة السورية العاملة في ظل الثورة ذات تأثير كبير أثبتت أنها قادرة على مواجهة التحديات كلها من أجل رفع مستوى معيشة أسرتها، ودخلت سوق العمل بكل ثبات وطورت قدراتها ومهارتها حتى تستطيع الاستمرار، لتثبت أن المرأة السورية في مراحل التاريخ كلها كانت قادرة على أن تصنع الفرق والتغير على الرغم من تعرضها في كثير من الأحيان لظلم من المجتمع االذكوري.

تأثير المتغيرات في عمل المرأة (التأثيرات الإيجابية)

هناك إيجابيات كثيرة حصلت عليها المرأة في الثورة، إذ تقول بثينة رحال ناشطة مدنية ومعلمة، هناك اعتراف حتى ولو كان غير ظاهر من الرجال السوريين بأن المرأة كانت توازيهم في القدرات فقد حملت على عاتقها إعالة اسرتها وتوثيق الحوادث، تسعى بكل ما أوتيت من قوة فهي ربة المنزل تارة تطهو وتغسل وتارة في ورشة تدريبية أو مدرسة أو في معمل وحتى في العمل العسكري، عملت على تأمين الطعام وما يحتاجون إليه وتارة أخرى نراها حملت آلة التصوير لتوثق ما يحدث في البلد على امتداد الجغرافية السوري،ة وفي بلدان اللجوء حدث تغيير كبير في واقع المرأة العاملة والمرأة عموماً فأصبحت اكثر ثقة بنفسها وتمتلك أدوات لتمكين الحقيقة، فكانت عصب الحياة لتثبت بكل جدارة أن المرأة نصف المجتمع الفاعل الذي يبني النصف الآخر ببصمة المرأة السورية التي كانت أقوى من االحرب.

التحديات المستقبلية

العمل في بلاد اللجوء ضرورة حتمية تشوبها كثير من التحديات حتى تستطيع الاستمرار، أهم تلك التحدياتتحديات ثقافية: فهي في بلد يختلف اختلافاً كبيراً في مكونها الثقافي عن بلدها فعليها أن تكون قادرة على الموازنة والاندماج بطريقة تحافظ فيها على ثقافتها من دون أن تتعرض لمضايقات.

تطوير المهارات: يجب على المرأة مواكبة التطورات ومتطلبات العمل من كمبيوتر ووسائل الاتصال الحديثة ومعرفة بآخر مستجدات العلوم وهذا يشكل إرهاقاً كبيراً لها.

تحدي اللغة: وهو الأهم؛ فحتى تستطيع الاستمرار يجب عليها أن تتقن لغة البلد المضيف.

تحدي ساعات العمل الطويلة: إذ يقع على عاتقها إضافة إلى العمل أعباء منزلية كثيرة.

الخاتمة


إنّ النساء السوريات -من دون شكّ- عانين هضماً لحقوقهنّ وتهميشاً لهنَّ وكأنهنَّ عنصر ثانوي خلق لأغراض معينة. والجميع مشترك في هذا الواقع البشع مما ورثوه من عادات وتقاليد بالية، وتفسير خاطئ للنصوص الشرعية، فأصبحت بعض هذه التصرفات مسوّغة من الجهتين العادات والدين، ما همّش المرأة وجعلها عنصراً خاملاً، بل في بعض الأحيان معتدى عليه، من هنا يجب العمل على تمكين المرأة بحيث تصبح المرأة واعية ومدركة بالطريقة التي يمكنها بها أن ترسم خطوط مستقبلها، وأن تخط طريقها بنفسها لا أن تترك العنان لغيرها ليرسمه لها عوضاً عنها، ما يعطيها ثقة بالنفس ويلزمها بأن تكون قادرة على امتلاك الأدوات التي ستساعدها في ذلك، من علم وعمل ومعرفة وأخلاق، مثلها مثل الرجل لا تختلف عنه شيئاً.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »