العدد السابع …نيسان ٢٠٢٣..في مواجهة الهيمنة الذكورية بعيدا عن الوسائط التقليدية
بقيت النساء منفيات من مملكة الفن، الذي بقي تابعا للكنيسة وسلطة رجال الدين، من مطلع القرن الرابع الميلادي وصولا إلى عصر النهضة. وإن كان وصول الأميركية، ماري كاسات، التي عرضت أعمالها إلى جانب أعمال الانطباعيين، قد كسر القاعدة، إلا أنه لم ينه هيمنة الذكور، التي استمرت إلى ظهور الموجة الأولى من النسوية، مع فنانات تبنين فلسفة الحركة، وأعلنّ ثورة فنية بقيت المرأة العربية خارجها، باستثناء حالات فردية لا يقاس عليها.
عندما اختارت الأديبة والشاعرة البريطانية، ماري آن إيفانس، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، لنفسها اسما ذكوريا لنشر أعمالها، كانت محقة، في عصر اعتاد أن ينظر إلى النساء نظرة دونية، وحيث تعاطي الثقافة والفكر والفن مقصور على الرجال.
جورج اليوت، هذا هو الاسم الذي تخفت خلفه الكاتبة التي احتفلت بريطانيا مؤخرا بالذكرى الـ200 لولادتها، وخلال هذه الفترة التي امتدت على مدى قرنين، استطاعت المرأة أن تكسر هيمنة الذكور في الأدب والشعر، وإلى حد ما في الموسيقى، والرياضة، والمسرح. الأمر الذي لم يحدث سابقا في عالم الفنون التشكيلية، خاصة الرسم والنحت.
كان على المرأة أن تنتظر إلى نهاية القرن التاسع عشر، قبل أن تقدم نموذجا متواضعا لكسر الهيمنة الذكورية في الفن التشكيلي، ترافق مع ظهور بدايات الحركة النسوية، كحركة سياسية تدافع عن حقوق المرأة ضد الهيمنة الذكورية، التي حالت دون ممارسة المرأة لحقوقها الاجتماعية والسياسية، ثم تطورت في القرن العشرين لتشمل الأدب والثقافة والفن.
ما بدأته الفنانة الأميركية ماري كاسات، التي أصبحت أول امرأة تعرض أعمالها في معرض جماعي لفنانين انطباعيين عام 1874، يعتبر نقلة ثورية وفاتحة للفن النسوي، رغم تواضعه. درست كاسات في أكاديمية بنسلفانيا للفنون، ولم تنتم إلى تيار فني معين، لكنها اهتمت بتجريب أساليب متعددة، وتأثرت بالفنان الياباني أوتامارو، خاصة التي تناولت فيها العلاقة الحميمة بين الأم وأطفالها، واهتمت بتصوير الحياة اليومية البسيطة للنساء في القرن التاسع العشر.
خلال 150 عاما تقريبا لم تحقق المرأة الكثير من الإنجازات في الساحة التشكيلية حيث إذا أقصيت من العروض الفنية الكبرى
الجانب الثوري الوحيد في أعمالها، تمثل في كسرها للتابو، واختراقها عالما كان حتى تلك اللحظة مقصورا على الرجال.
ومن عام 1874 وحتى هذا اليوم، أي خلال 150 عاما تقريبا، لم تحقق المرأة الكثير من الإنجازات في الساحة التشكيلية، حيث أقصيت النساء عن العروض الفنية الكبرى، التي ظلت حكرا على الرجال، لهذا بحثت المرأة عن أماكن بديلة تعرض فيها أعمالها، التي ابتكرت لها خامات جديدة، بعيدا عن الوسائط التقليدية من نحت ورسم.
وكانت الألمانية ميريت أوبنهايم، التي برز اسمها في النصف الأول من القرن العشرين، رائدة في هذا المجال، الذي شهد استخدام الفيديو والوسائط المتعددة.
ورغم تأثر أوبنهايم في بداياتها الفنية بأعمال السرياليين والدادائيين، الذين خالطتهم، سرعان ما شقت لنفسها طريقا بعيدا عنهم، أثبتت من خلاله تفردها.
ووجدت النساء في عملها التركيبي المعنون “ممرضتي”، ثغرة كسرن من خلالها العزلة التي فرضها عليهن الرجال. ويمثل العمل حذاء، عُرض بشكل يوحي بجسد المرأة، وزينت الأطراف بإضافات تستعمل عادة عند تقديم الدجاج المشوي، في إدانة واضحة لمجتمعات حولت المرأة إلى سلعة ومتعة جنسية.الطفولي والأنثوي سرياليا (من أعمال ميريت أوبنهايم)
بعيدا عن الوسائط المتعددة وأعمال التركيب، فشلت النساء في فرض وجودهن على الساحة الفنية، ورغم أن الفنانة الفرنسية، لويز بورجوا، 1919 – 2003، عملت لفترة طويلة في الرسم والنحت، إلا أنها عجزت عن فرض نفسها وبقيت مجهولة، ليتغير كل شيء عام 1982، وهي في سن السبعين، عندما عرضت أعمالا تركيبية تمثل عناكب ضخمة تشغل غرفة كاملة في أكبر المتاحف.
الاختراق الكبير جاء مع الفنانة البريطانية، تريسي آمين، 1963، التي أصبحت حديث الأوساط الفنية عام 1998، عندما عرضت عملا تركيبيا في تيت غاليري بلندن، يتضمن بقايا سجائر، وملاءات غير مرتبة مرمية على السرير، وقطعا متناثرة من ملابسها الداخلية.
ولم تهدأ الضجة التي أثارتها منذ ذلك التاريخ، رغم أن العمل الذي رشح حينها لجائزة “تورنر” المرموقة لم يفز، إلا أنه عاد إلى الأضواء عام 2014، عندما بيع في مزاد بدار كريستي، بمبلغ 4.25 مليون دولار.
إن كان هذا هو حال المرأة في الغرب، فماذا عن حالها في الشرق؟الألمانية ميريت أوبنهايم، التي برز اسمها في النصف الأول من القرن العشرين، رائدة في هذا المجال، الذي شهد استخدام الفيديو والوسائط المتعددة
نساء قلة استطعن كسر المحرمات، التي تحتمي بجدار سميك من الأعراف والتقاليد يصعب خرقها، من هذه الأسماء، المصرية غادة عامر، التي رفعت لواء النسوية، مستغنية عن الوسائط التقليدية، موظفة في أعمالها الفيديو والتركيبات، وتبقى المضامين الاستفزازية للعمل الفني، الدافع الذي جعل من أعمالها مرحبا بها في الغرب، بينما ظلت مرفوضة في الشرق. فنانة أخرى من الشرق، ولكنها ليست من بلد عربي، استطاعت هي الأخرى أن تحقق نجاحا كبيرا، بالطبع خارج بلدها، هي الفنانة المصورة الإيرانية، شادي غاديريان، 1974، حصلت شادي على بكالوريوس التصوير الفوتوغرافي، من جامعة أزاد في طهران، واستطاعت أن تفرض نفسها على الساحة الفنية بوصفها واحدة من المواهب الإبداعية الرائدة، لتحظى أعمالها باحترام عالمي كبير.
تستكشف غاديريان في أعمالها وضع المرأة الحديثة في إيران على وجه الخصوص، حيث الصراع بين الحداثة والتقليد، في بيئة أبوية يسيطر عليها الذكور، هو الموضوع الأثير لديها، ورغم القضايا الأصيلة التي اختارتها الفنانة لتعبر عنها، فإن أعمالها لا تخلو من لمحة جذابة ساخرة تجذب الجمهور إليها.
لعلي قاسم بتصرف
هيئة التحرير