العدد الثاني عشر …. النصف الثاني من شهر تموز يوليو من عام ٢٠٢٣ ….”فنون التزويج” أو الاغتصاب المبطّن ضد نساء العشائر في سوريا والعراق
إن أظهر تقرير الفجوة الجندريّة بين الجنسين لعام 2021 أنّ المساواة بين الجنسين تحتاج لأكثر من 135 عاماً لردمها، ففي شمال شرق سوريا والعراق لكان أظهر أنها ستحتاج لأكثر من ألف عام لتُردم، بخاصة في مناطق العشائر على اختلاف امتدادها وصولاً إلى القنيطرة وبانياس الحولة في الجولان.
في تلك الجغرافيات العشائرية، تحتّم المجتمعات المتحيّزة ضد النساء التي ترى الإناث جزءاً من ملكية العائلة والعشيرة، تعرّض معظم الفتيات لأسوأ أنواع العنف الجنسي، منها التزويج القسري وتزويج الطفلات واستخدام المرأة الشائع لتصفية الحسابات بين العشائر، أو إبرام المصالحات، أو الأخذ بالثأر وحقن الدماء وفض النزاعات، على حساب حقها في العيش كإنسانة حرّة لها كيانها المستقل ومشاعرها وكرامتها.
الفصلية، النهوة،الحيار، قطش الردن، عقد الشليل…هي مصطلحات معقّدة، تصف أنواعاً من زيجات قسرية لا تزال العشائر تجبر النساء على عقدها إلى يومنا هذا. يمكن التفريق بين تلك الأنواع بالأسلوب والقصد، حيث يُستخدم زواج “الفصلية” أو “الديّة” أو “الدكة” لحقن الدماء بين القبائل، فيقضي الأمر بتزويج امرأة من قبيلة إلى رجل من قبيلة أخرى بهدف التهدئة بين القبيلتين والمصالحة وسد الطريق أمام المشاحنات والخلافات.
وما زال هذا العرف منتشراً في بعض مناطق العراق من الشمال حتى الوسط والجنوب، وعلى امتداد انتشار العشائر التي تتّبعه في سوريا.أما “النهوة” العشائرية، فتُستخدم لمنع المرأة من الزواج برجلٍ آخر ضمن عرف عشائري قديم يفرضه على الفتاة عمّها أو ابن عمّها، فينهيها عن الزواج بشخص آخر غيره، حتى ولو بقيت من دون زواج مدى الحياة.
فيمكن إذاً تصنيف “النهوة” من ضمن جرائم التهديد الموجّهة ضد نساء القبيلة.يُعرَّف “زواج الحيار” التي تشتهر بها المناطق الشرقية من سوريا بأنه تحيير ابن العم لابنة عّمه، فتصبح الأخيرة مقيّدة له إلى أن تموت، ممنوع عليها أن تتزوج غيره، فتبقى رهناً له في منزل أهلها، ولو تزوّج غيرها.من الزيجات القسرية أيضاً، “زواج البدائل”، حيث يُلزم ولي أمر العروس عريسَها بأن قبوله كصهر للعائلة يتطلّب شرطاً أساسياً، وهو أن يتزوج أخ العروس من أخت العريس أو العكس، كنوع من المقايضة.
أمّا عادة “قطش الردن”، فتعني أن يقوم الشخص بزيارة لقريبه بهدف المباركة له بمولوده الجديد.
فإن كان المولود فتاةً، يقوم هذا الشخص بقص قطعة من لباس الفتاة، ثم يقف وسط الجميع ويقول لوالديها “جيّرناها لولدنا فلان”، أي أنها أصبح ممنوعاً عليها الزواج من أي رجل سوى الذي سمّاه. وبالفعل، ينتظر الأهل إلى أن يبلغ الطفلان فتتم الزيجة بينهما.
بالنسبة إلى “عقد الشليل” (عقد الثوب)، فيقتضي أن يجلس ولي أمر العريس على الأرض وقد لاصق ركبتيه على ركبتي ولي أمر العروس ثم يمسك طرف منديله أو ثوبه ويقوم بعقده عُقد يصعب حلها، ثم يقول له “عقدت شليلك، وبخنتك ما تردني”.
وذلك أمر يصعب رده عند البدو، ثم يقص حاجته ورغبته بتزويج ابنته للشخص الموكل بالمهمة.بين القانون والواقع فجوة يصعب ردمهاعلى الرغم من أنّ القانونَين العراقي والسوري يشترطان في صحة عقد الزواج توفّر الرضا وعدم وجود إكراه، إلا أنه سُجّل عام 2015 في شمال محافظة البصرة مثلاً، تزويجُ نحو أربعين امرأة قسراً لعشيرة أخرى، وذلك بهدف إنهاء نزاع مسلح في البصرة التي انتشر فيها السلاح بشكل كبير.
وتلا ذلك عدّة حوادث مماثلة في المنطقة لحقن الدماء، في انتهاكٍ صارخ لأبسط حقوق النساء العراقيات. وقد أدّى الأمر عام 2017 إلى تسجيل عشرات حالات انتحار في صفوف النساء ممّن وقعن ضحايا عمليات التزويج “بالفصلية” أو “النهوة”.وفي شمال سوريا، سُجّلت أكثر من حالة انتحار لفتيات أجبرن على زواج “النهوة”، وحالات قتل نساء أيضاً.
وتأتي قصة فتاة الرقّة “حمدة” في هذا السياق، وحمدة من مدينة الرقة قُتلت عام 2009 على يد ابن عمها عندما علم بأن والدها سيزوّجها لغيره مع أنه سبق و”حيّرها” له.
لا يتدخّل القانون السوري في زواج “الحيار” إذ يعتبره أمراً عشائرياً خاصاً، لا بل يتم وفق قانون الأحوال الشخصية، ويوفّر “الرضا الظاهر” ووجود الشهود.
أمّا قانون العنف الأسري في دستور حكومة إقليم كردستان العراق (والمادة الـثامنة من قانون الأحوال الشخصية (56) لسنة 2011) فينصّ على عقوبة الحبس والغرامة على كل “من يرتكب عنفا أسرياً جسدياً ونفسياً أو من يُكره شخصاً آخر على الزواج أو الزواج القسري أو ختان الإناث أو الزواج بالديّة”.
عاقب القانون العراقي وفق المادة 9 من قانون الأحوال الشخصية مرقم 188 عام 1959 مَن يُكرِه شخصاً، ذكراً كان أم أنثى، على الزواج بلا رضا منه، أو منعه من الزواج، بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة، إذا كان المكره أو المعارض أقارب من الدرجة الأولى.
أما إذا كان المعارض أو المكره من غير الدرجة الأولى فتكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد على عشر سنوات أو الحبس لمدة لا تقلّ عن ثلاث سنوات، باعتبار أن عقد الزواج وقع بالإكراه.ناضلت الحركات النسوية السورية والعراقية، ومن ضمنها الكردية، كثيراً ضد هذه العادات الموروثة والمحميّة بظل غياب تفعيل القانون أو التشريعات الجديدة والتفلّت الأمني المستفحل وانتشار السلاح وابتعاد سلطة الدولة وتشرذمها.
ومن بين المجموعات المُناضلة، المركز الإعلامي والثقافي للنساء في كردستان العراق ومنظمات حقوق إنسان وتمكين النساء في العراق. أدّت جهود تلك المجموعات إلى انقاذ نحو ألف امرأة من قيود تلك الأعراف والتقاليد العشائرية.
المواثيق الدولية ذات الصلة
بحسب الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، يُفهم أن العنف ضد المرأة “يشمل العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يحدث في الأسرة بما في ذلك الاعتداء الجنسي على الأطفال الإناث في الأسرة والعنف المرتبط بالمهر والاغتصاب الزوجي وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وغيرها من الممارسات التقليدية الضارة بالمرأة والعنف غير الزوجي والعنف المرتبط بالاستغلال”.
ومذكور في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن للشخص مطلق الحرية في اختيار الزوج المناسب، دون قهر أو إجبار، وأن هذا الأمر جوهري لا يمكن التهاون فيه.
وتعرّف اتفاقية السيداو (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة)، التمييز بأنه: “أي تفرقة أواستبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره وأغراضه النيل من الاعتراف للمرأة، على أساس تساوي الرجل والمرأة، بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية”.
على رغم كل تلك الاتفاقيات والإعلانات الدولية المُبرمة وبعض القوانين الوطنية في سوريا والعراق، لا تزال العشائر مطمئنة البال، فتستمرّ حتّى يومنا ببسط سلطتها الذكورية على مجتمعاتها والنساء فيها بشكل خاص، فلا ترى في الفتيات سوى ملكيات تابعة للقبيلة، فتصبح بالتالي “أنثى القبيلة” موضوع ما يُسمّى “شرف” العائلة و”سلعةً” العائلة في آن، وذلك تحت مسمّيات متعدّدة لنوع زواج واحد هو في الواقع: التزويج القسري… كلمة أخرى للاغتصاب.