العدد الخامس عشر ..النصف الأول من شهر أيلول سبتمبر من عام ٢٠٢٣….فيلم “الصحفية وسجانوها” لـلسورية لونا وطفة فاز بجائزة
أنا كربة اسرة ومعتقلة تم ايهامي باعتقال أطفالي في سوريا وتهديدي بهم كمسرحية لنزع الاعترافات لدي أمل أن غداً أجمل.. وأتمنى من المهاجرين أن لا يبقوا حبيسي الماضي.
قد يكون فوز فيلم ما بجائزة هو تكريماً معنوياً، وربما مادياً لمن عمل جاهداً ليكون فيلمه قادراً على المنافسة بين صناع الأفلام الكبار، ولكن في حالة الصحفية السورية المهاجرة لونا وطفة قد تحمل الجائزة أكثر من قيمة مضافة، ففيلم ” الصحفية وسجانوها” هو تجربة شخصية تحمل في طياتها الكثير من الألم والذكريات المريرة، وبذات الوقت هو محاولة لتوثيق لحظات البحث عن العدالة، وأنه لا يمكن للمجرمين أن يبقوا طلقاء دون أن ينالوا جزاءهم العادل.
معتقلة وبطلة
الفيلم أخرجه المخرج الألماني “أديثيا سامبامورثي” حول تغطية جلسات محاكمة كوبلنز الشهيرة وبروتوكولاتها التي تمت على مدى عدة أشهر عام 2021، وجرى فيها محاكمة ضباط سوريين سابقين أمام محكمة ألمانية “وبناءً على هذه البروتوكولات استطعنا بناء نص الفلم”، تقول لونا وطفة في حوارها، وهي شاركت في كتابة السيناريو، وكانت بطلة الفيلم، كونها الصحفية السورية الوحيدة التي حضرت كل جلسات المحاكمة، وبذات الوقت كونها كانت معتقلة سابقة في (فرع الخطيب 251) سيئ الصيت لمدة شهر، وتنقلت في عامي 2014 و2015 بين العديد من الأفرع الأمنية خلال سنة وشهر، “بما أن المحاكمة كانت ضد اشخاص متهمين بجرائم ضد الإنسانية، وللإضاءة على قضية المعتقلين ككل، تم البحث عن بطلة عاشت تجربة الاعتقال في فرع الخطيب” توضح لونا في حديثها لموقعنا.
فوز يعني الكثير
الفيلم رغم أنه حديث نسبياً إلا أنه قد نال جائزة الـ “توب دوكس”، في مهرجان عرض الأفلام الوثائقية، الذي تقيمه لقناة الـ ART في مدينة لايبزغ الألمانية، وفيه تنافس الفيلم مع أربعين فيلماً آخرين وفاز عليهم، رغم أن فيهم كُتّاباً ومخرجي أفلام وثائقية مخضرمين “هذا الفوز يعني لي الكثير لأنه أول تجربة لي في مجال الأفلام الوثائقية كتأليف وسيناريو وكبطولة أيضاً”تقول لونا وطفة إنها لم تستطع حضور حفل إعلان النتائج الذي تم في عام 2021، كونها كانت في تلك الأثناء منخرطة في تغطية جلسات المحاكمة في مدينة كوبلنز.الفيلم بنسخته الألمانية عرض في الشهر العاشر من عام 2022 على القناة الألمانية الأولى وكان بعنوان لونا والعدالة، أما بنسخته العالمية فعُرض وسيعرض في أكثر من دار عرض خلال الأشهر القادمة كما أنه مرشح لجائزة أخرى.. هي جائزة رومان برودمان في ألمانيا. “على امل الفوز بها في نهاية شهر نيسان/ ابريل” تقول لونا.
صوتٌ لا صدى
المحاكمة التي كان عماد جهة الادعاء فيها مهاجرين سوريين أو لاجئين سياسيين، من الذين نجوا من المعتقلات السورية، ترى وطفة أن الفيلم حول هذه المحاكمة يمثل لها (صوت)، “أنا مدوِّنة وشعار مدونتي ” خليك صوت لا تكون صدى” المعتقلون أو مجهولو المصير ليس لهم صوت.عندما أُخلي سبيلي من سجن عدرا عانقتني إحداهن بقوة وقالت لي: لا تخذلينا ولا تنسينا كما نسينا الآخرون”
عقدة الناجي
تشرح لونا أنها بعد خروجها من السجن أصابتها ” عقدة الناجي” التي تترافق مع شعور بالذنب أنها استطاعت النجاة بينما الآخرون لم يستطيعوا ذلك، “وهذه العقدة جعلتني اعمل كي أحقق شيئاً، وبعد اللجوء بدأت أفكر بالمعتقلين والمخفيين، فلو كل شخص قام بواجبه تجاه المعتقلين في هذا السياق ربما لم يبقَ معتقلون في سجون النظام”.وبعد خروجها من المعتقل ركبت البحر مثل كثير من السوريين كمهاجرة نحو المجهول متوجهة إلى ألمانيا في الشهر التاسع من عام 2015.
محكومون بالأمل
تقول الناشطة الحقوقية إنها شعرت في بعض الأحيان أن ما تفعله ليس له صدى، واثناء توثيق المحاكمة لم يكن عندها أي أمل أنها ستغير من واقع المعتقلين في سوريا، ولكن على أمل أنه بعد سنوات عدة عندما يصبح هناك إمكانية حل موضوع المعتقلين يجدون توثيق المحاكمة موجوداً على الشبكة العنكبوتية.. “المحاكمة تعني لي أنها صوت سيبقى موجوداً ولا أحد يستطيع كتمه.. وشهادات الضحايا أو الناجين (الشهود والمدعون) تم توثيقها، ولأول مرة يستطيع الناجون الكلام امام القضاة وتتوثق شهاداتهم بشكل رسمي، ويصدر الحكم بناءً على شهاداتهم، وهي تجرم الأشخاص الذي شاركوا في الانتهاكات”.
تهديد بالأطفال
وتضيف وطفة أن المحاكمة التي جرت في كوبلنز ووثقتها في فيلمها تسرد تاريخ كامل من الانتهاكات لنظام الأسد الأب والابن، مشددة على أن توثيق المحاكمة هو عمل نوعي، لأن “هذه التغطية هي الأمل في أنه عندما يبدأ تطبيق العدالة في سوريا سيُبنى أساسُها على هكذا محاكمة وعلى محاكمات أخرى من هذا النوع… وهي طريق تم افتتاحه ولا أحد يستطيع إغلاقه”.
غداً أجمل
وتتابع وطفة “أنا كربة اسرة ومعتقلة تم ايهامي باعتقال أطفالي في سوريا وتهديدي بهم، كمسرحية لنزع الاعترافات، وتعرضت للتحرش الجنسي في الاعتقال.. أنا لدي أمل أن غداً أجمل.. وأتمنى من المهاجرين أن لا يبقوا حبيسي الماضي، بل أن ينظروا إلى الأمام.. ويفعلوا كل ما باستطاعتهم.. وأن لا ييأسوا”.
أعظم هدية!
الفلم انتهى بهدية من سجن عدرا، “سلمني إياها الحقوقي أنور البني وهي عبارة عن سوار من خرز، صنعته لي المعتقلات في سجن عدرا بأياديهن عندما علموا ماذا دار في المحاكمة، وأرسلوه لي مع المحامي، وهذه هي أعظم هدية تلقيتها في حياتي.. وتشجعني على أن أستمر”.