العدد السابع عشر ..النصف الاول من شهر اكتوبر لعام ٢٠٢٣…حرمان الفتيات السوريات من إكمال تعليمهن.
أدى لجوء عدد كبير من العائلات السورية إلى الدول المجاورة، إلى حرمان أولادهم من حقهم في التعليم، وخاصة الفتيات اللواتي لم تتجاوز أعمارهن 18 عامًا، فالكثيرات منهن حرمن من إكمال دراستهن لأسباب عديدة، مادية واجتماعية.
وازدادت المعوقات التي تقف حجر عثرة أمام إكمال الفتيات تعليمهن مع احتدام الصراع في سوريا لأسباب متنوعة، نحاول في هذا المقال استعراض بعضها، بعد لقاءات أجري مع عدد من الفتيات والأسر في أماكن نزوحهم.
بيئة الاختلاط تحد من تعليم الفتاة
يعتبر المجتمع السوري، بحسب آراء البعض، محافظًا على العادات والتقاليد الاجتماعية، وتتمثل إحدى صور هذه المحافظة في فصل الشباب عن الفتيات في المراحل المتقدمة من الدراسة (إعدادي وثانوي) في عدد كبير من المدن والبلدات السورية، ومع تدهور الأوضاع الأمنية في سوريا لجأ العديد من السكان إلى مناطق منفتحة نسبيًا تنتشر فيها المدارس المختلطة.
لين، فتاة لم يتجاوز عمرها 18 عامًا، انقطعت عن الدراسة لمدة 3 سنوات لـ “خوف أهلي عليّ من بيئة الاختلاط” في المدينة التي نزحت إليها في ريف دمشق، وبعد عدة محاولات استطاعت إقناع أهلها بضرورة التحاقها بمدرسة بالقرب من مكان إقامتها، ولكن لين لم تداوم في المدرسة مدة طويلة وذلك “بسبب مضايقات من الموجه المشرف، موضحةً أن “الكثير من الفتيات قدمن شكاوى ضد الموجه التربوي، بسبب مضايقاته لي ولزميلاتي في صفي ولكن إدارة المدرسة لم تأبه لذلك”.
بعد ذلك قررت لين عدم الذهاب إلى المدرسة مجددًا، “اتصلت إدارة المدرسة بأهلي لكي أعود إلى الدوام، لكنني رفضت رفضًا قاطعًا… لقد ترك تحرش الموجه بي أثرًا سلبيًا لدي”.
بدورها قالت لميا، أخصائية “برنامج التعليم وقت الأزمات”، أنها خلال عملها في مخيم الزعتري صادفت فتاتين في صف الخامس والسادس تقيمان في كرفانة (شبيهة بالخيمة مصنوعة من صاج أو خشب) بعيدة عن الكرفانة المخصصة للتعليم في المخيم، وقد “منعهما شقيقهما الأكبر من الذهاب إلى المدرسة بسبب انتشار قصص الاعتداء والتحرش في أوساط المخيم”.
اختلاف المناهج وسلوكيات التعليم
اعتاد الطلاب على نظام تعليم تقليدي في سوريا، فالمواد المدرسية تكون عادةً إما أدبية أو علمية، والنشاطات الترفيهية لا تتعدى الرياضة، التي يعتبرها الطلاب “حصة فراغ”، في حين يتهرب معظم الطلاب من حصص الموسيقا، التي يتعلمون فيها الأناشيد الوطنية والسلم الموسيقي.
وعندما لجأ الأهالي إلى دول الجوار فوجئوا بتغير أسلوب التعليم، خصوصًا في لبنان؛ تقول أم محمد، وهي لاجئة سورية في مخيمات البقاع اللبناني “كان لدينا فرصة ذهبية حيث تبنت إحدى الجمعيات الخيرية تعليم ابنتي”، وعندما أرسلتهما إلى المدرسة “تفاجأت أنهما تتعلمان الرقص والموسيقا والباليه وأشياء لم نكن قد اعتدنا عليها”.
وتردف أم محمد أن هذه النشاطات الترفيهية “قد تشوه عقول الفتيات وخاصةً المراهقات منهن”، لذلك منعتهما من الذهاب إلى المدرسة، باحثةً عن مدرسة أخرى، مضيفةً “لا أتشرف بإرسال بناتي إلى مدرسة معلماتها يرتدين لباسًا فاحشًا”.
سوء الحالة المادية
ويعد نقص المال أحد الأسباب الرئيسية التي تحول دون تعلم الأطفال، سيما البنات منهن، وخاصة عندما يكثر عدد الأولاد في العائلة الواحدة، فلا يقدر رب الأسرة على تحمل نفقات تعليمهم.
أم راتب، اللاجئة إلى الأردن، أم لثلاثة أولاد زوجت ابنتها البالغة من العمر 18 عامًا بسبب وضع العائلة المتدهور ماليًا، لكن وبعد عام من زواج ابنتها، فُقد الزوج في حي القدم وعادت ابنتها إلى العائلة.
تقول أم راتب “تطالب ابنتي بإكمال تعليمها، لكنني لا أستطيع تحقيق ذلك”، مشيرة إلى الوضع المادي السيء الذي تعانيه الأسرة، إذ تقيم في بناء سكني قديم في أطراف العاصمة عمان، وأجرة المنزل 200 دينار أردني (ما يعادل 280 دولار أميركي)، كما أن صحة زوجها المتدهورة تركته عاطلًا عن العمل، لذلك تعيش العائلة حاليًا على مساعدات الجمعيات ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين.
أما سارة، 15 عامًا، تقيم في ريف دمشق وهي طالبة في الصف التاسع الإعدادي، فلم يسمح لها والدها بإتمام دراستها في المنطقة التي لجأوا إليها، والتي تخضع لسيطرة قوات الأسد، لأنها “ستضطر يوميًا للمرور على الحاجز الأمني الذي يقع عند باب المدرسة، وستتعرض للتفتيش والمضايقات من قبل عناصر الأمن”.
تقول سارة “عرضت على والدتي أن أدرس في معهد خاص بعيد عن الحواجز الأمنية ولكن الوضع المادي السيء لم يسمح بذلك، فالقسط الشهري لهذا المعهد 30 ألف ليرة سورية، ما عدا أجرة الموصلات التي يتوجب عليّ دفعها يوميًا، بينما لا يتجاوز راتب والدي 45 ألف ليرة “.
ضغوط على مدارس اللجوء
لجوء أعداد كبيرة من السوريين إلى العديد من الدول، وخاصة الأردن ولبنان وتركيا، سبّب مشاكل تعليمية كبيرة، من حيث الضغوط على المدارس، إذ لم يعد بإمكانها استيعاب العدد الكبير من الطلاب، إضافة إلى أن بعضهم لا يملكون أوراقًا ثبوتية وإفادات مدرسية تؤهلهم للتسجيل.
حسام، الذي يقيم في محافظة إربد الأردنية، رفضت إدارة المدرسة القريبة من إقامته تسجيل بناته في المدرسة بحجة أن الحكومة الأردنية قد خصصت مدارس للسوريين يكون الدوام فيها في فترة الظهيرة، لكن حسام يقول “في مثل هذه المدارس لا يهتم الكادر التدريسي بتعليم الطلاب السوريين بشكل جيد، ناهيك عن تجمع الشباب أثناء انصراف الفتيات للتحرش بهن، ولا أحد يبالي بمثل هذه المخالفات”.
زواج مبكر
الأوضاع المادية الصعبة، وعدم توفر المسكن، وصعوبة إكمال التعليم، تساهم في ارتفاع نسبة الزواج المبكر، الذي يأخذ أبعادًا تنعكس على الجيل الجديد، الذي لا يتلقى الرعاية الكاملة والصحيحة من الأم الصغيرة، التي لم تستكمل بدورها الرعاية الكاملة من أسرتها.
زهرة، تقيم في مدينة ساخنة في ريف دمشق، خُطبت ولم تبلغ من العمر 15عامًا، وكان خطيبها من الشباب الذين التحقوا بالجيش الحر، خرجت مع أهلها من مدينتها عندما احتدمت حدة الاشتباكات هناك حفاظًا على حياتها.
وعندما قررت الزواج به خاطرت بنفسها ودخلت إلى المدينة، لكنها “صعقت” بالمعاملة التي بات يعاملها بها، على الرغم من الحصار الخانق الذي تتعرض له المدينة، إذ فرض عليها حصارًا آخر، فلم يسمح لها بالخروج حتى إلى بيت جارتها، وبدأ ينهال عليها ضربًا بسبب معارضتها لبعض الأمور، كما تقول زهرة، لذلك لم يكن بوسعها إلا أن تخرج إلى أهلها دون رضاه، وبعد خروجها بشهر قتل الزوج، وباتت أرملة بعمر 15 عامًا.
عواقب توقف التعليم والزواج المبكر
من جهتها ترى أسماء، الأخصائية في علم النفس، أن “الزواج في سن مبكر وعدم تعليم الفتيات هو ممارسة مستمرة منذ وقت طويل في سوريا، خصوصًا بين سكان الأرياف، لكن هذه الظاهرة انتشرت بشكل أكبر بسبب أوضاع وظروف الحرب.
ونبهت أسماء إلى آثار هذه الظاهرة، إذ “يلازم الفتاة شعور بالقهر والإحباط واليأس وعدم ثقتها بنفسها وفقدانها لحريتها الشخصية، وبالتالي تعيش مستسلمة لواقع مريرً تعيشه مغلوبة على أمرها”.
وبالنسبة للأسرة المكونة “فلن تكون الفتاة على دراية ومعرفة بكيفية معاملة وإدارة بيتها سواء زوجها وأهل زوجها، أو مع أولادها وسوف تؤثر على مستوى تعليمهم”.
وأردفت أسماء “بالنتيجة سوف تنشأ مشاكل اجتماعية وخلافات شخصية بين هذه الأطراف… لن تستطيع أن تبني وطنًا ولا مستقبلًا لها ولا لأسرتها، وفي أحيان كثيرة سوف تكون عرضة للتهميش والاحتقار بل وللتعدي والقهر والاستغلال”.