العدد الثامن عشر ..النصف الثاني من شهر اكتوبر لعام ٢٠٢٣…محاولة في استقراء الأسباب لجرائم قتل النساء

وآخر جريمة فاجأتنا مؤخرًا قتل قاض مصري – يملك حصانة ومناصب عديدة – لزوجته المذيعة ودفن جثتها بعد تشويهها في حديقة فيلا يملكها. المُخزي أن أكثر من عشرة مواقع على الإنترنت لم تذكر بالكامل اسم القاضي المجرم بل اكتفت بأن تكتب الأحرف الأولى من اسمه (أ. ح)، فلماذا يُذكر اسم الضحية بالكامل ولا يُذكر اسم القاتل؟

برأيي تعود أسباب قتل النساء، خاصة في عالمنا العربي (الذي يعنيني كثيرًا)، إلى عوامل عديدة معقدة، تبدأ منذ الحمل بفرح الزوجة والزوج بأن الجنين ذكر وليس أنثى.

“لا تزال عمليات الإجهاض عالية جدًا في الصين حين تعرف الزوجة وزوجها أن جنس الجنين أنثى وهما لا يُسمح لهما إلا بطفل وحيد، في هذه الحالة تقوم الزوجة بإجهاض نفسها بموافقة الزوج لأن الجنين أنثى، أي أن عمليات وأد البنات مستمرة حتى عصرنا الذي يدعي حرية المرأة ومساواتها مع الرجل”

السبب الثاني لارتفاع جريمة قتل الشابات والنساء هو التربية المنزلية (المسؤول عنها غالبًا الأم).

الطفل الذكر الصغير حين يمشي عاريًا في المنزل يتغزل الجميع بعضوه الجنسي بفرح وفخر، أما الطفلة فإذا جلست وقدماها متباعدتان قليلًا تعنف بقسوة وتبدأ الأم وكل من يتدخل في تربيتها بتقريعها وبأن العيب والإثم فيها.

أعرف العديد من الأسر التي يكون الزوجان فيها جامعيين ومتعلمين يعاملون الابنة معاملة دونية عن أخيها، مثلًا: رتبي غرفة أخيك، إكوي قمصانه، حضري له الإفطار، كوني لطيفة مع صاحبته أو عشيقته أو حبيبته التي قد تدخل غرفته ويغلقان الباب.

أما الأخت فيا للهول إذا اكتشف أهلها أو أخوها أنها معجبة بشاب وتتحدث إليه أو تحبه.في هذه الحالة هي تلوّث شرف الأسرة. لأن شرفها مرتبط بجسده، بجسد رجل (أب، أخ، خال، عم، أحيانًا جار) ولطالما تساءلت لماذا شرف كل إنسان مرتبط بجسده هو فقط ولماذا شرف الرجل مرتبط بجسد امرأة (أخت، أم، قريبة…إلخ) ومفهوم الشرف هو تحديدًا العذرية أي غشاء البكارة؟

هذا المفهوم المُعيب أي ربط الشرف بعدة نقاط من الدم بسبب تمزق غشاء البكارة يدفع الكثير من الفتيات الناقمات على ظلم العقلية الاجتماعية إلى ممارسة الجنس مع الحفاظ على غشاء البكارة.

أحد أبرز الأطباء في اختصاص النساء في دمشق ألقى محاضرة أثارت الدنيا ولم تقعدها حين قدم محاضرته في نقابة الأطباء في دمشق مبينًا بجدول إحصائي عدد عمليات ترقيع غشاء البكارة التي قام بها، وكان متخصصًا في أميركا، وكانت الفتيات فاقدات العذرية يقصدنه من كل أنحاء الوطن العربي قبل العرس بأيام قليلة وبعضهن عزمنه على العرس. وقد ذكر في محاضرته أن العديد من الفتيات يلجأن لممارسة الجنس عن طريق الشرج للحفاظ على عذريتهن!!فأي تشويه نفسي هذا؟ أذكر العاصفة التي أثارتها محاضرته والتنمر عليه واتهامه بأنه يتقصد إفساد الأخلاق، فمجتمعنا العربي مجتمع التدين والشرف والأخلاق. أظن أنه ترك دمشق وعاد إلى أميركا لأن لا أحد يريد أن يرى حقيقة حياتنا وواقعنا.

“من خلال عملي كطبيبة في مشفى حكومي كنت شاهدة على حالات مُروعة من سفاح القربى كلها كانت تُدفن في الصمت خوفًا من الفضيحة، إحدى تلك الحالات شابتان إحداهما في الـ13 من عمرها والأخرى في الـ17 يتناوب الأب على اغتصابهما والأم لا حول ولا قوة لها!”

وأظن أنني عبرت في قصتي الواقعية (ليلة الدخلة والمصباح الكهربائي) عن مأساة عقليتنا في مجتمعنا العربي، فالشابة الطبيبة الجميلة ابنة أسرة محترمة أحبت طبيبًا يختص بجراحة في ألمانيا وكانا يلتقيان كل صيف وكل عطلة وهو من أسرة ثرية جدًا ومرموقة – كان والده سفيرًا في دولة عربية – الحب جمع بين الشابة وهي طبيبة أيضًا وخطيبها وكان العرس أسطوريًا في فندق الشرق في دمشق.

في ليلة الدخلة طلب الطبيب اختصاصي الجراحة من حبيبته التي صارت زوجته أن تسمح له بأن يلقي نظرة على غشاء بكارتها لأنه يعلم كونه طبيبًا إن كانت قد أجرت عملية إعادة العذرية أم لا! المسكينة صُعقت ورغم كونها عذراء لم تسمح له بفحصها بالمصباح الكهربائي وهددته بأنها ستصرخ إذا أجبرها بالقوة على هذا الفحص، كانت صديقتي ولجأت إليّ ولكنني لم أكن أملك الخبرة وكنت في ذهول وهي تحكي لي عن طلب الطبيب الذي جمعتها به علاقة حب، وجدت أن الأفضل الاتصال بأمها.

فالأم تعرف مصلحة ابنتها ولديها خبرة حياتية، وكان رأي الأم غاضبًا وهي تقرع ابنتها قائلة: اقلعي عينيه وأثبتي له أنك عذراء، هي مجرد إلقاء نظرة يا حبيبتي فما الغلط، مجرد إلقاء نظرة وهو عريس لقطة، طبيب ثري ومنصب مهم ويحبك ولو تركتيه ستكونين مطلقة، أي فاشلة ومنبوذة اجتماعيًا.

هذا كان رأي الأم التي لم تلتفت إطلاقًا لما يُسمى كرامة. صديقتي هربت إلى الكويت وأجبرت زوجها على أن يطلقها وأصبح يتكلم أنها بالتأكيد ليست عذراء و”إلا لسمحت لي بفحصها وإلقاء نظرة على بكارتها”!

ومن خلال عملي كطبيبة في مشفى حكومي كنت شاهدة على حالات مُروعة من سفاح القربى كلها كانت تُدفن في الصمت خوفًا من الفضيحة، إحدى تلك الحالات شابتان إحداهما في الـ13 من عمرها والأخرى في الـ17 يتناوب الأب على اغتصابهما والأم لا حول ولا قوة لها.

تعرف سفاح الأب مع بنتيها لكنها تخاف أن يرميهما في الشارع، لجأت الفتاتان إلى أعمامهما وشكتا الأب المتحرش، فلم تتلقيا إلا الشتم والتقريع والتهديد من الأعمام مدعين أن الابنتين تقومان بإغراء والدهما للحصول على المال.

لكن الابنة الكبرى بمساعدة شاب شهم يحبها أوصلا الجريمة (سفاح الأب) إلى المحكمة التي طلبت فحصًا طبيًا للأختين من قبل طبيبة نسائية، وأذكر الاحتقار الذي عامل به شرطيان كانا برفقة الأختين حتى يحضر الطبيب وكانا يسخران من الفتاتين ويحكيان نكتًا فاحشة أمامهما، ولما حضر الطبيب قال الشرطي للأختين: “يا الله يا وليه قومي للفحص”.

الطبيب نفسه أيضًا تعامل مع الأختين بازدراء وقال أي عار أن تشتكي البنات على أب لا يقصر معهن في شيء من لباس وطعام وتعليم. وتبين بالفحص أن الأختين فقدتا عذريتهما بتحرش الأب لكن أغلقت القضية بدون أي عقاب للأب، وأصبحت الأختان هما تجسيد للعار وانعدام الأخلاق والعهر والافتراء على أب مؤمن يصلي كل أسبوع، وعرفت بعد أشهر أن الابنة الصغرى زوجوها لرجل في السبعين من عمره وأنه كان يلهو بجسدها كما يحلو له حتى انتحرت.

قوانين الأحوال الشخصية والقوانين الدينية هي لصالح الرجل إلى حد كبير، فهو يحق له تعدد الزوجات، وللأسف بعض النساء يؤمن بحق الرجل في تعدد الزوجات لأن لا حول لهن ولا قوة ولأن كلمة مطلقة مُرعبة، وغالبًا المطلقة تُحرم من أولادها وغير مؤهلة لإعالة نفسها.

أما البرامج الدينية (هناك أكثر من 200 قناة دينية) فهي كلها تستضيف شيوخًا وأحيانًا نساء حاصلات على دكتوراه في علم الاجتماع يحكين بطريقة مستفزة وظالمة بحق المرأة، فإحدى السيدات اتصلت وقالت وصوتها يختنق من الألم والبكاء إنها مهندسة وزوجها مهندس تزوجا بعد قصة حب ولديهما طفلان في عمر المراهقة، وحدث أن توفي زوج ابنة خالة الزوجة فما كان من الزوج إلا أن تزوج ابنة خالة زوجته.

كانت مجروحة ومتألمة وتنشد راحة النفس من الشيخ الذي يُفتي فقال لها: عليك أن تفرحي لأن زوجك عظيم، أي أنه صار أبًا ليتامى ومنع الأرملة من الزنى. الكلام ذاته قالته سيدة بارعة في الكلام حاصلة على شهادتين في علم الاجتماع وفي الفقه الإسلامي، ولا أعرف إن كانت تلك الدكتورة تفرح إذا تزوج زوجها عليها!!!

“التربة الاجتماعية التي تنمو فيها بذور تحقير المرأة والإعلاء من قيمة الرجل هي حجر الأساس لجرائم قتل النساء، فالرجال قوامون على النساء، والنساء ناقصات في ثلاث، وتعدد الزوجات مسموح، وفي الدين المسيحي آية: الرجل رأس المرأة كما المسيح رأس الكنيسة”

ولا تزال شهادة المرأة في المحكمة ناقصة، ولا تزال بحاجة إلى وصاية وموافقة من الأب أو الأخ على سفرها، وحين كنت في أميركا أشارك في حضور المؤتمر العالمي للكتابة تعرفت على شابة سعودية رائعة متفوقة تختص بالفيزياء النووية، جمعتني بها صداقة متينة وكم كانت مرعوبة ومتألمة من تصرفات أخيها السكير والماجن، فحسب قوانين المملكة السعودية لا يحق للمرأة مهما بلغت من التفوق العلمي أن تسافر دون محرم (أب، أخ، خال أو عم).

كانت تقول لي أخي، أي المحرم، يعطونه راتبًا أكثر من راتبي ويبتزني أيضًا بالمال ويهددني من وقت لآخر أنه سيرجع إلى السعودية وبالتالي ستضطر للعودة لأن أهم عامل لوجودها في أميركا وإكمال الدكتوراه في الفيزياء النووية هو وجود محرم.

أي أن المرأة ناقصة وغير مؤهلة لتحمل مسؤولية نفسها وبحاجة لمحرم أي رجل مهما كان منحطًا ومبتزًا أخلاقيًا.

ثم – وهو الأهم – الاعتقاد السائد لدى الأكثرية من شعوبنا العربية أن الرجل أذكى من المرأة لأن وزن دماغه أكبر، بينما يتعلق الذكاء ليس بوزن وحجم الدماغ بل بالتلافيف الدماغية وهي متساوية لدى المرأة والرجل.

وكذلك الاعتقاد أن الغريزة الجنسية للمرأة أضعف بكثير من الغريزة الجنسية للرجل، وهذا الكلام (الذي تصدقه الكثير من النساء) خطأ علمي لأن الغريزة الجنسية للمرأة والرجل متساوية، وأيضًا التنمر والسخرية على المرأة حين انقطاع الدورة الشهرية، تٌصبح النساء كأنهن كائنات لاجنسية، بينما الغريزة الجنسية مستمرة عند المرأة بعد انقطاع الطمثـ في الواقع الرجل هو من ينطبق عليه تعبير سن اليأس لأن هرمون التستوستيرون (الهرمون الجنسي لدى الرجل) ينخفض لأكثر من النصف في عمر 45 إلى عمر 50.

لذا نجد الرجال في هذا العمر يقيمون علاقات مع شابات في عمر العشرين كي يثبتوا لأنفسهم أنهم فحولة، أما الحقيقة فإن الضعف الجنسي يمرمرهم.

منذ أشهر اشتريت كتابًا فرنسيًا بعنوان (رجل في الخمسين) يبين الأزمات النفسية التي يتعرض لها رجل في الخمسين بسبب تراجع كبير لهرمون التستوستيرون (طبعًا لا يجوز التعميم).

“الاعتقاد السائد أن الغريزة الجنسية للمرأة أضعف بكثير من الغريزة الجنسية للرجل، وهذا الكلام (الذي تصدقه الكثير من النساء) خطأ علمي لأن الغريزة الجنسية للمرأة والرجل متساوية”

والتربة الاجتماعية التي تنمو فيها بذور تحقير المرأة والإعلاء من قيمة الرجل هي حجر الأساس لجرائم قتل النساء، فالرجال قوامون على النساء، والنساء ناقصات في ثلاث، وتعدد الزوجات مسموح، وفي الدين المسيحي آية: الرجل رأس المرأة كما المسيح رأس الكنيسة.

أذكر أن المطران جورج خضر حين ألقى محاضرة في اللاذقية، شرح الآية إياها بأن من يستحق أن يكون رأس الأسرة عليه أن يكون الرأس.

طبعًا كل الرجال انزعجوا، فماذا لو كان الرجل أبله أو غير مؤهل ليكون رأس الأسرة؟ ولا بد من ذكر كم هو مخيب للآمال ومعيب المسلسل الشهير “الحاج متولي” الذي يدعي أنه يعدل بين زوجاته الأربع واللاتي يتشاجرن مع بعضهن كل يوم لأن كل من زوجاته تريده أن يقضي الليلة في فراشها!!!

تصوير الرجل بأنه خارق القدرات الجنسية وفحل وأن امرأة واحدة لا تكفيه تحقير لإنسانية الرجل، واختزاله إلى مجرد عضو جنسي لا حدود لقوته،حتى أنه في الكثير من البرامج الدينية يسأل الكثير من الرجال رجل الدين بأنه يشكو أن الدورة الشهرية لزوجته ثمانية أيام فماذا يفعل وشهوته الجنسية وفحولته في ذروتها؟

ويجيبه الشيخ: إذا كنت غير قادر على التحكم بقدراتك الجنسية الخارقة يحق لك زوجة ثانية أفضل من أن تزني!!! يا سلام على المنطق العجيب المخجل.

أخيرًا هناك انتعاش لقانون الزواج من القاصرات بسبب الحروب والفقر والتخلف، في تركيا كان ممنوعًا زواج الفتيات حتى بلوغهن 18 سنة، لكن منذ سنتين أعيد قانون يسمح بالزواج من قاصرات.

وأحب أن أذكر بعض الأمثال الشعبية التي تُظهر عقلية مجتمع يؤله الرجل ويحط من قيمة المرأة: ظل راجل ولا ظل حيطة – المرأة التي لم تتزوج بمثابة شهيدة – المرأة التي لم تتزوج كأنها لم تدخل دنيا.

أما الرجل فالمثل الذي يشي بالكثير من المفاهيم والمعاني: لا يعيب الرجل إلا جيبه. أي أن يكون الرجل فاسقا وفاسدا وظالما طالما جيبه منتفخ بالمال فلا يعيبه شيء.

“كم من فتيات صغيرات مغتصبات بدل أن يخضعن لعلاج نفسي يساعدهن على تجاوز الصدمة يتلقين معاملة قاسية من الأهل كأنهن صرن الفضيحة وأن مستقبلهن ضاع”

والأهم من كل ما سبق أنه لا توجد عقوبات حقيقية تتناسب مع جريمة قتل النساء، ولا تزال الكثير من جرائم الشرف لا يتم معاقبة الجاني أو يكون عقابه خفيفًا ليصدر بعد أشهر قانون عفو عنه.

المطربة سوزان تميم تم قتلها وفصل رأسها عن جسدها من قبل رجل أعمال مصري فاحش الثراء وشريك جمال مبارك.سجن لسنوات وخرج. كذلك المطربة ذكرى التي قتلها زوجها، ولا أعرف كم سنة قضاها في السجن، لكنه خرج.

عدم تناسب العقوبة مع الجرم كارثة وستؤدي إلى المزيد من قتل النساء.

أحب أن أختم بتلك القصة الواقعية المؤلمة، فمنذ سنوات كنت لا أزال أعمل في المشفى الوطني في اللاذقية ودخلت طفلة بعمر ثماني سنوات إلى الإسعاف مغميًا عليها ومصابة بتمزقات خطيرة في المهبل بسبب اغتصابها من جار العمر (رجل، 55 سنة).

أذكر أم الطفلة، كم كانت تنوح وتصرخ وتشد شعرها منتزعة منه خصلًا، وحين طمأنها طبيب النسائية الذي خيّط جدار المهبل المتهتك للطفلة بأنها ستكون بخير وسيعطيها ورقة تثبت أنها تعرضت لاغتصاب صرخت الأم: من سيصدق مجرد ورقة؟ شرف ابنتي ضاع.

ورمت التقرير الطبي في وجه الطبيب وقالت له: “انقعه واشرب ماءه”.كم من فتيات صغيرات مثل تلك الطفلة بدل أن يخضعن لعلاج نفسي يساعدهن على تجاوز الصدمة يتلقين معاملة قاسية من الأهل كأنهن صرن الفضيحة وأن مستقبلهن ضاع ومعظم القاصرات المغتصبات يتم تزويجهن زواج مسيار أو عرفي أو متعة…إلخ لرجال في عمر أجدادهن دافعين بهن إلى البغاء أو الانتحار.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »