العدد الثامن عشر ..النصف الثاني من شهر اكتوبر لعام ٢٠٢٣…الفن النسوي أو فن النساء؟

جهز علم الجمال الفينومينولوجي والهرمنوطيقيا بعض ميادين الانعكاس خلال البحث عن تعريف “صحيح” للفن الذي تبدعه نساء . أرفض مصطلح “الفن النسوي”، غير أنني أفكر أنه يجب أن أقبل وجود فن النساء الذي يؤسس بالتأكيد حقلاً فنياً نوعياً . لا أتجاسر على عرض معايير معينة مادام الفن لا يمتلك قواعد، ولا أريد أن أخاطر بفرضها . يتبدى لي أن النزعة الحداثية المؤسساتية تفتح، أمام النساء، باب الإبداع الفني في إمبراطورية الحريات الجديدة . يعني أن تصبح امرأة فنانة حداثية وتمتلك أملا، إنها أكثر من امرأة . غير أنه وهم مادامت النساء تتواجد في موضع آخر، مفارق بمعنى ما . البعض يمارس حساسيته الجمالية، الطموح في مكانة الفنانين الحقيقيين المجردين من أهليتهم .

من الأهمية بمكان معرفة المؤلف طالما وجد النتائج التراتبية، على أساس أن فن الرجال مؤهل عالميا، غير محدد حسبما الجنس، بينما فن النساء مشروط من خلال النوع البشري (ومن الصعب الاعتقاد بكونه بسيطا ونقيا)، هذه التراتبية السابقة تستمر في تلقيح خرائط الفكر، اليوم . فن النساء محسوب، دوما، على اعتبار أنه يقع في مرتبة دنيا عن الفن الذكوري . لماذا تصبح زهور “جورجيا” أو “كيف” ايروتيكية ونسوية، بينما زهور “فنسان فان جوخ” تبتهج بألوانه الخاصة (ما يقوله الرجال النقاد) . لا يتمثل الأمر في فهم ما يختفي خلف الرسوم، ولا في معرفة نظرة المرأة على الحياة، الجمال، الطبيعة، الرغبة والنزعة التحديثية .

لم تكن الفنانات، في تاريخ الفن الحديث، ظاهرات بصورة جلية . في هذا الشأن، حياة “كاميل كلوديل”، الفنانة غير المقدرة وغير المعترف بها، مؤثرة . بالمثل كانت حياة “مدام ايفوند”، التي حققت أول الصور الفوتوغرافية الملونة في أوروبا في الثلاثينات . لهذا السبب تبدى معرض “في داخل المرئي” الذي هدف إلى تسطير جينيالوجيا المرأة الفنانة في القرن العشرين، ودراسة كيف يمكن إدراك الفرق بين الجنسين في هذا المجال وتأثير الأدوار الثقافية المحددة سلفا . من الممكن التبليغ عن تاريخ الإبداع من خلال المرأة ريثما كانت مسجلة – أو غير مسجلة – بدلا من تجاوز المقابلة القائمة بين الرجل والمرأة بالحوار عن نتاجهما الفني . يتبدى لي أنه من الضروري إبداع “عالم حواري”، بشرط ألا يكون محايداً .

ما يثير الاهتمام بالجمالية النسوية، هو أسئلة الفن النسوي والذكوري . هل الفن المبدع من قبل نساء يعد فناً نسوياً؟ وبالعكس، هل يعد الفن المبدع من قبل رجال فناً ذكورياً؟

من الآن فصاعداً، سوف أعرض عليكم حالتين . في المقام الأول، حالة “باربرا سيشترمان”، التي رفضت فرضية الفن النسوي عفويا . لماذا يجب أن نسمع سيمفونية، أو ننظر الى صورة فوتوغرافية حسب جنس مبدعها؟ الفن النسوي لا يوجد، وإنما منقول من لدن النساء الفرديات . “نانسي شودوروف” تفكر بعدم وجود اختلافات ضمنية في الجنس بواسطة سيرورة الانفصال بين الأم والطفل الذي يستدل عليه – بين الرجال والنساء – في اختلافات طريقة التفكير أو العيش .

إذاً، العلاقة بين الفن والنوع تابعة للتكوين التماثلي للجنسين .

بيد أنه يجب أن نضيف، في الحال، أن معظم النساء يتنزهن عن وجودهن كنساء، وأن فكرهن الفني يسيطر على التحيز للذاتية اللا مادية والمستقلة .بالنسبة للسيدة سيلفيا فيدوروفا، ما هو الفن النسوي ؟ أنه شيء مقزز، توشية تحتويه . فيما تشرح ماريا هاجنوفا: “في إبداعي، لا يوجد جسد وانما طبيعة . . .” . تسجل ايفيكا كروالكوفا من ناحيتها: “الاختلاف بين الرجل والمرأة لا يوجد (إلى حد ما)، ولم يوجد أبدا” .

لم تتبلور تسعينات القرن الفائت عبر الفن النسوي مادام لا يوجد، ولكن التعبير “فن نسوي” يثير القلق، كما مصطلح “جمالي” . خاف المجتمع من هوية الجنس، لأنه بواسطة الانعكاس النسوي، نكتشف حدثاً أساسياً: العلاقة التي تربط بين الرجل والمرأة، في الواقع، رابطة حضارية، رابطة ثقافية . أغلبية الرجال لا يحققون مع النساء سوى علاقة نوعية وليست علاقة دائمة .

النساء غير معرفات . المرأة ليست فكرة تجريدية . من الضروري قبولها . لا تمتلك النساء المشاهدات الطموح نفسه، النظرات نفسها . هناك اختلافات كبيرة بينهن، وحتى إذا لم يتعرض الرأي العام لها . مثلا، من الممكن أن نذكر حالة النساء “السمراوات” اللائي لا يقبلن الفن “الأبيض”، الذي لا يقدم لهن وضعا أنطولوجيا . إنهن غير ملزمات بالتماهي مع الفيلم الذي يظهر قدرة “الأبيض” . إذاً، من الضروري الانتباه إلى الإمكانات كافة والتجسدات كافة الخاصة التي تغطي نظرة النساء . علم الجمال منقود هنا .

قابلية التأثر والتجربة النسوية

من اللازم دارسة فن النساء وتثمين التجربة الجمالية للمجتمع المتجانس . لا يوجد نتاج سوى المدرك/المستقبل في مقابلة الموضوع والذات . وبذا يرد الاعتبار للتجربة الجمالية .

ينظر علم الجمال التقليدي إلى المتلقي كمتلقٍ سلبي . بالرجوع إلى نتاج الفن (أطلق كانت على هذا التقليد “اللا – تلقين”) نصل إلى “النظر” – وهذا يتماثل مع مصطلح “جمال” – أو معالجة الإدراك بحساسية إيجابية . تعكس النظرية الحديثة للفن المعاصر ، وتهجر نظرية “اللا- تلقين”، مفضلة “لطريقة المشاركة” – وبالتالي المشاركة الإيجابية – في وجود نتاج الفن .

فن النساء:

يصعد المشاهد على الخشبة، يدخل الى الموضوع البنائي، يصبح لاعبا – مشاركا وممثلا – مشاركا . تبدع النساء نتاجا يعرض قائمة طعام، والرجل يستطيع أن يتذوقها، ويدخل إلى سيرورة ميلاد النتاج، وأخيرا يكتشف عالما يظل بالنسبة له منيعا، عالم نساء .

يشرح علم الجمال الحديث وجود الفن من خلال وجود أو مشاركة المتلقي الكبرى .

يميز “علم الجمال الفينومينولوجي والهرمنوطيقيا” هذه المشاركة بوجود النتاج الفني .

هكذا، يعرف “انجاردن” و”دوفرين”، بلا لبس، نتاج الفن كوحدة كامنة لنوعيات جمالية ونوعيات فنية، أصبحت حالية، وبالتالي حقيقية، في حدث إدراك النتاج من قبل المتلقي . بم تتعلق، إذاً، خاصية النتاج؟ ببساطة: تنظيمات المتلقي .

يشرح علم الجمال التحليلي، المتطور في الولايات المتحدة الأمريكية، الوضع الأنطولوجي لنتاج الفن بقالب المؤسسات الثقافية التي تستند إليه، أو بواسطة السياق الثقافي الذي يدرك المتلقي فيه النتاج . ما هي الشروط الواجب توافرها لكي ينظر المتلقي إلى الموضوع كنتاج فني ؟ كل شئ يرجع إلى الفضاء الثقافي الذي تشكل فيه “ذوقه” و”حكمه”، وكذا اهتماماته وتنظيماته الجمالية الأولى في آن واحد معاً . ومع ذلك، حتى وقتنا الحالي، تحدثت النظريات الجمالية عن “المتلقي” بصورة عمومية من دون البحث عن الاختلافات القائمة بين “الرجل – المتلقي والمرأة – المتلقية”.

ولهذا السبب أيضاً استدعى عدد من المنظرين الأمريكيين إلى أبحاثهم، فيما يتعلق بالتجربة الجمالية والانعكاس الجمالي، الاختلاف بين الجنسين – مشاهد، مؤدٍ أو قارئ مؤنث أو مذكر – وأيضاً الاختلافات الراجعة للانتماءات الاثنية .

في إطار قابلية التأثر للفن، من الممكن أن نتكلم عن النساء اللائي يندمجن مع الثقافة الذكورية، اللائي يقبلن وجهة نظر الرجال ويحاولن التماهي مع الدوغمائيات الذكورية (وهنا حقا ظاهرة مطلوب دراستها في علم الجمال النسوي) . هذا النمط من النساء ينظم بطريقة ذكورية النظر إلى الأشياء، من خلال نشاطهم، من أن يصبحن مساويات للرجال على المستوى الثقافي والمستوى المهني.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »