العدد الحادي و العشرين ..النصف الأول من شهر ديسمبر كانون الاول من عام ٢٠٢٣…ختان الإناث.. ممارسة وحشية ضد النساء والفتيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

ما يزال تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية أو ما يسمى بختان الإناث الذي تتعرض له الفتيات – خاصةً المراهقات وحديثات الولادة- أمرًا سائدًا على نحو مقلق في مناطق مختلفة من العالم، وبشكل خاص في 92 دولة على الأقل في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.

في المجمل، تعرضت أكثر من 200 مليون فتاة وامرأة لشكل من أشكال تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بمعدل حوالي 3 ملايين فتاة كل عام.

يمثل ختان الإناث انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان وأحد أشكال العنف والتمييز القاسية ضد الفتيات والنساء، وينتهك الحقوق الأساسية للأطفال، بالنظر إلى أنّ الفتيات القاصرات تكن ضحايا للختان في كثير من الأحيان.

يعد ختان الإناث -الأمر الذي يعده البعض متطلبًا دينيًا- مقبولًا بين بعض الفتيات والنساء لتجنب تهميش أو نبذ المجتمع، على الرغم من تجريمه جنائيًا عام 2008

إلى جانب ذلك، تنتهك هذه الممارسة حق النساء والفتيات في الصحة والأمن والسلامة البدنية والحق في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، فضلًا عن الحق في الحياة في حال أدت إلى وفاة الضحية، كما تمسّ بالحق في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة في حال تعطلت الأنسجة التناسلية عند تطبيق هذه الممارسة دون سبب طبي.ينتشر ختان الإناث على نحو خاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى جانب مناطق أخرى في أفريقيا وآسيا.

ومن بين 200 مليون فتاة وامرأة تعرضن لختان الإناث في العالم، حوالي ربع العدد كان من خمس بلدان رئيسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ وهي مصر والسودان واليمن والعراق وجيبوتي. كما تخضع الإناث لهذه الممارسة في بلدان أخرى من المنطقة في بعض المجتمعات المعينة، ولا تتوفر سوى القليل من المعلومات عنها.

أسباب وعواقب ختان الإناث

يُعرّف تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) على أنه عملية إزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية الخارجية للإناث أو إيذائها بطرق أخرى دون وجود أسباب طبية، ويعد شكلًا من أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي الذي يشير إلى نقص تمكين المرأة.

تتعرض الإناث اللواتي يعشن في المناطق الريفية وفي الأسر الفقيرة وذات المستوى التعليمي المتدني -خاصة الأطفال والمراهقات- لهذه الممارسة التي تسبب لهن ألمًا شديدًا، وصدمات نفسية كبيرة، وأضرارًا صحية خطيرة.قديمًا، كانت تجري هذه الممارسة في أماكن غير معقمة على يد امرأة مسنة في المجتمع أو إحدى الأقارب أو قابلة ليس لديها خبرة في التركيب البنيوي للإناث، دون تخدير أو مسكنات أو مضادات حيوية، ولكن الآن يُجريها أخصائيون طبيون محليون، ما يجعلها أقل إيلامًا.

ويمثل ختان الإناث بأشكاله المتعددة تهديدًا خطيرًا على صحة الفتيات والنساء، إذ يتسبب لهن على المدى القصير بآلامٍ شديدة، فضلًا عن الصدمة والعدوى والنزيف، وقد يؤدي إلى الإعاقة ومشاكل التبول والعقم والإجهاض والإملاص وارتفاع خطر وفاة الأطفال حديثي الولادة أو وفاة الضحية نفسها.

بينما على المدى الطويل، تصاب الفتيات والنساء بألم مزمن وعدوى وعدة مشاكل نفسية، بما في ذلك اضطراب ما بعد الصدمة.

وعلى الرغم من أن ختان الإناث يتسبب في أضرار جسيمة للصحة البدنية والنفسية للفتيات والنساء، إلا أنه ما يزال سائدًا في العديد من البلدان، حيث يشكل في بعض المجتمعات متطلبًا دينيًا على الرغم من عدم وجود نص ديني رئيسي ينص على ذلك.

وما يزال ختان الإناث منتشرًا في العديد من المجتمعات بسبب المعتقدات الثقافية التي تعتبره أمرًا ضروريًا للحفاظ على الهوية العرقية والجنسية وحفاظًا على أنوثة و”نقاء” المرأة وشرف العائلة، وكذلك لتعزيز النظافة والصحة ولضمان أهلية المرأة للزواج.

ويمثل القبول المجتمعي وضمان الإخلاص بعد الزواج ومنع الاغتصاب أسبابًا رئيسة أخرى لختان الإناث.

هناك أيضًا أسباب غير متعلقة بالثقافة لختان الإناث وهي تعزيز فحولة الذكور وتقليل وفيات الولادة وخفض الرغبة الجنسية لدى المرأة، ما يجعلها أكثر جاذبية لزوجها المستقبلي.

من بين جميع الإناث اللواتي تعرضن للختان، تعيش حوالي 31 مليونًا منهن في مصر ومليونين في اليمن، وتبلغ نسبة الفتيات والنساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا وتعرضن لختان الإناث في مصر نحو 87%، بينما تبلغ نسبة الفتيات دون سن 15 عامًا حوالي 14%.

حوالي 8 من كل 10 فتيات مصريات يتعرضن لهذه الممارسة على يد طاقم طبي، ما يثبت المستوى العالي من إضفاء الطابع الطبي على هذه العملية في البلاد.

وتتعرض الفتيات في مصر للختان في الفترة العمرية بين 5 و9 سنوات، بينما تتعرض له حوالي 7 من كل 10 فتيات في الفترة العمرية بين 10 و14 عامًا.وعلى الرغم من انخفاض دعم هذه الممارسة على مر السنين، ما تزال أكثر من نصف الفتيات والنساء المصريات يرون أن ختان الإناث يجب أن يستمر، والنسبة شبيهة بين الرجال والنساء.

ويُطبق ختان الإناث المتجذر في التقاليد المصرية منذ آلاف السنين من أجل “الحفاظ على نقاء الفتيات ونظافتهن” حيث يعتبر استئصال البظر وسيلة لتجنب الإثارة الجنسية وحماية عذرية الفتاة قبل الزواج.

ويعد ختان الإناث -الأمر الذي يعده البعض متطلبًا دينيًا- مقبولًا بين بعض الفتيات والنساء لتجنب تهميش أو نبذ المجتمع، على الرغم من تجريمه جنائيًا عام 2008، ولكن بعض الأطباء يمارسونه متسترين بغطاء الأسباب الطبية ليتجاوزوا القانون.

أما بالنسبة لليمن، فبلغت نسبة الفتيات والنساء اللواتي تعرضن للختان وتتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا نحو 19%، وهي أقل من النسبة في مصر بكثير، بينما تبلغ نسبة النساء والفتيات المتزوجات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا وتعرضت بناتهن للختان 16%.

تُجرى أكثر من 8 من كل 10 حالات لختان الإناث في اليمن على يد خبراء تقليديين، وتجري 87% من عمليات ختان الإناث في الأسبوع الأول من حياة المواليد الإناث في اليمن، و9% خلال السنة الأولى من حياتهم.

وانخفض دعم الفتيات والنساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا لختان الإناث انخفاضًا حادًا في اليمن على مر السنين، ووصل إلى أقل من 20% في عام 2013.

وعلى غرار الدوافع في مصر، يُمارس ختان الإناث في اليمن من أجل الحفاظ على نظافة الفتيات وجمالهن وأنوثتهن، بينما تعتقد حوالي 21% من النساء أنه واجب ديني.

دفع حظر اليمن لختان الإناث في المنشآت الطبية الأشخاص الذين يمارسون هذه العملية -عادةً نساء- لممارستها داخل المنازل باستخدام شفرات الحلاقة أو المقص دون إمكانية تلقي المساعدة.

الإطار القانوني الدولي لحماية الفتيات والنساء من ختان الإناث

ممارسة ختان الإناث الوحشية -والتي ترسخ مفاهيم عدم المساواة بين الجنسين- تنتهك حقوق الإنسان لجميع الفتيات والنساء اللواتي يخضعن لها، مما يتسبب لهن بمشاكل صحية جسدية ونفسية خطيرة.

الفتيات والنساء في جميع أنحاء العالم ينبغي أن يتمتعن بالحق في الحماية من هذا الإجراء التمييزي العنيف والضار والذي يجب أن ينتهي بشكل مطلق، إذ إنّ هناك العديد من أدوات حقوق الإنسان الدولية التي توفر الحماية للفتيات والنساء من مختلف أشكال التمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي بما يشمل ختان الإناث.

يدافع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948عن الفتيات والنساء -وإن كان بشكل ضمني- ضد إجراء الختان، حيث يعزز الإعلان في المادة رقم (3) الحق في الحياة والحرية والأمان بالإضافة إلى الحق في عدم التعرض للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطّة بالكرامة في المادة رقم (5).

ويُدين العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 التمييز على أساس النوع الاجتماعي والذي تنبع منه ممارسة ختان الإناث، كما يعزز الحق في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطّة بالكرامة في المادة رقم (7) والحق في الحرية والأمان في المادة رقم (9) والحق في تدابير الحماية لجميع الأطفال في المادة رقم (24).

ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1976 في المادة رقم (3) على ضمان مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعلى وجوب تمتع جميع الأفراد بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه في المادة رقم (12)، التي يشمل احترامها إلغاء الممارسات الضارة مثل ختان الإناث.

وتذكر اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979 (سيداو) التمييز القائم على الجنس وهو ما يشمل تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية -على الرغم من عدم ذكره صراحةً- حيث تنتهك هذه الممارسة الحقوق الأساسية للفتيات والنساء.

كما تؤكد التوصيات العامة رقم (14) و(19) و(24) الصادرة عن اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة الأضرار الجسيمة التي تلحق بصحة الفتيات والنساء اللواتي تعرضن للختان، وتحث الدول الأطراف على العمل للقضاء عليه.

وتُدين لجنة حقوق الطفل ختان الإناث باعتباره ممارسة تقليدية تنتهك المصلحة الفضلى للأطفال.

واعترف إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد المرأة لعام 1993 صراحةً ولأول مرة في المادة رقم (2) بأن ختان الإناث شكل من أشكال العنف ضد المرأة ويعرّف العنف ضد المرأة في المادة رقم (1) على أنه “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة ، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية …”.

وحثت القرارات والتقارير اللاحقة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول على مكافحة ختان الإناث، ودعت الدول بموجب قرار رقم (61/143) لعام 2007 إلى عدم “التذرع بأي أعراف أو تقاليد أو اعتبارات دينية من أجل تجنب التزاماتها فيما يختص بالقضاء عليه”.وصدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (67/146) بالإجماع في عام 2012 ليؤكد على الضرورة الملحة لإدانة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث وتنفيذ التشريعات على المستوى الوطني لإلغائه وزيادة الوعي حول هذه القضية.

وتضمن هدف التنمية المستدامة رقم (5) للأمم المتحدة المخصص لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات بند رقم (3) الذي يهدف إلى القضاء على جميع الممارسات الضارة بحلول عام 2030 ومن بينها ختان الإناث.واعتمد مجلس حقوق الإنسان في عام 2020 قرار رقم (44/16) بشأن القضاء على ختان الإناث من أجل تكثيف جهود القضاء على هذه الممارسة عالميًا وعدم التهاون معها مطلقًا بحلول عام 2030.

على الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد أحرزت تقدمًا في الحد من ختان الإناث الذي تتعرض له الفتيات والنساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا في الجيل الأخير، إلا أنه ما يزال منتشرًا للغاية في المنطقة. الطريقة الوحيدة لتحقيق بند رقم (3) من هدف التنمية المستدامة رقم (5) هي رفع معدل تقدم دول المنطقة في القضاء على ختان الإناث بمقدار 15 مرة.

يعمل كل من “صندوق الأمم المتحدة للسكان” و”يونيسيف” من خلال “البرنامج العالمي لإنهاء تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية” على تكثيف جهود مكافحة ختان الإناث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويهدف البرنامج لدعم البلدان من خلال العمل مع الحكومات والكيانات السياسية الإقليمية والمجتمعات المدنية لزيادة المساءلة وتعزيز تنفيذ القوانين والسياسات التي تكافح هذه الممارسة.

كما يشمل البرنامج تمكين الفتيات والنساء من التمتع بحقوقهن الأساسية من خلال العمل مع والديهن ومجتمعاتهن لتغيير الأعراف الثقافية والاجتماعية التي تعزز هذه الممارسة، ويضمن حصول الفتيات والنساء على خدمات جيدة ومناسبة للوقاية والحماية والرعاية، كما يدعم البلدان في تحليل البيانات لرصد وتقييم تدخلات السلطات فيها للقضاء على ختان الإناث ولتقييم التغيير الثقافي وتعديل السياسات المنفذة وتحسينها.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »