العدد الحادي و العشرين ..النصف الأول من شهر ديسمبر كانون الاول من عام ٢٠٢٣..عصامية تغالب التحديات..المرأة العاملة في الشمال السوري
تزداد معاناة النساء في الشمال السوري المحرر يومًا بعد يوم، إذ تعد النساء المهجّرات والأرامل والمطلقات أكثر عرضة للمشقة بسبب تعدد مسؤولياتهن في إعالة أسرهن، خاصة اللواتي يعشن في مخيمات النزوح على الحدود السورية-التركية، في وقت تعيش البلاد ترديًا غير مسبوق على عدة نواحٍ أبرزها الناحية الاقتصادية.
أكثر من 12 عامًا من الحرب كانت كفيلة بتغيير ومحاصرة حياة جميع الفئات في المجتمع السوري، إذ دفعت نسبة البطالة في شمال غرب سوريا التي بلغت 87% بحسب تقارير حقوقية، المرأة السورية إلى الخروج بشكل أكبر للعمل في مختلف القطاعات، ومنها أعمال شاقة كانت حكرًا على الرجال الذين واجهوا ظروفًا صعبة بعد الحرب، وباتت عدة نساء يعملن في وظائف أخرى إلى جانب عملهن المنزلي، خاصة بقطاع الزراعة وجني المحاصيل، إضافة إلى أعمال خدمية أخرى خاصة بمدينة إدلب.
آثار جسدية ونفسية
تقول الأرملة فداء الأحمد (33 عامًا)، وهي أمّ لـ 3 أطفال، وتعمل في مصنع لتعبئة قطع البسكويت في سرمدا شمالي إدلب، إن الواقع المعيشي في المناطق المحررة وصعوبة تأمين مستلزمات الحياة وتراجع المساعدات الإنسانية أو المنح المالية المقدمة لها من قبل المنظمات قياسًا بغلاء الأسعار المتزايد، أجبرها كامرأة على العمل بهدف إعالة أسرتها وتأمين مستلزماتها.
تروي الشابة الثلاثينية التي تسكن في مخيمات بلدة كللي شمالي إدلب، أنها يوميًّا تتوجه إلى المصنع عبر سيارات عامة متوجهة إلى مدينة سرمدا أو كما وصفتها بـ”تقطيع”، وذلك لعدم قدرتها على دفع أجور الذهاب والإياب يوميًّا بالحافلات (سرافيس)، بسبب قلة راتبها البالغ 600 ليرة تركية أسبوعيًّا (26 دولارًا).
تتوقف الشابة فداء عن الكلام قليلًا وتمسك علبة السجائر، تنظر إليّ وهي تشعل سيجارتها قائلة: “هاد الوقت بده وحدة قوية وأخت رجال”، وتكمل: “مستعدة اشتغل بشغلين وثلاثة ولا أكسر نفسي لحدا”.
ورغم عصاميّة السيدة فداء لكنها أكّدت في لحظات ضعفها الذي لا تخفيه معظم السيدات اللواتي يعانين من سوء حالتهن المعيشية والظروف التي تعرضن لها، أن العمل قاسٍ وصعب وغير مناسب لظروفها، لافتة إلى أنها رغم عملها في المصنع منذ سنتَين لكنها صبورة رغم ما تتعرض له من تعب على الناحية الجسدية والنفسية، مشيرة أنها تعرضت للعديد من حالات الاستغلال سواء من أصحاب السيارات أو بعض أرباب العمل.
ولا يختلف الأمر عند آنسة مادة الرياضيات منى حاج عمر (23 عامًا) المهجرة من ريف حماة، والتي تسكن مخيمات قاح، إذ تؤكد أن دخل والدها من أجر المياومة البالغ 65 ليرة تركية، الذي يتقاضاه بعمل تجاري، لا يكفي لسدّ احتياجات المنزل والعائلة ودواء والدتها التي تعاني من مرض السكّر وهشاشة العظام منذ سنوات، ما يجعلها مجبرة على العمل لمساندة والدها في سدّ احتياجات المنزل والعائلة المكونة من 8 أفراد.ومن زاوية أخرى، التقينا بالسيدة إسراء، وهي أمّ لطفلَين، فضّلت عدم ذكر اسمها بشكل كامل، انفصلت عن زوجها أواخر عام 2020، وتسكن اليوم في منزل والدها الكائن في بلدة أبين شمالي حلب، وتؤكد أنها تعرضت لعدة مواقف محرجة أثناء بحثها عن فرصة عمل بسبب جهلها، وفق قولها، إذ تؤكد أنها غير قادرة على القراءة والكتابة.
وتضيف: “بعد انقطاع السبل أمامي في البحث عن وظيفة تعيل أسرتي، قرّرت منذ قرابة 7 أشهر خوض دورات “محو أمية” بهدف تعلم القراءة والكتابة، بالإضافة إلى حضور معظم الورشات التي تقدمها منظمات المجتمع المدني في المدينة، بهدف رفع الكفاءة العلمية، وتعلم حرفة أو مهنة قد تكون مخرجًا لحالي المعيشي مستقبلًا”.