العدد الثاني و العشرين ..النصف الثاني من شهر ديسمبر كانون الاول من عام ٢٠٢٣..نساء سوريات يروين تجربتهن “التعيسة” من زواجهن بـ”جهاديين” أجانب
على الرغم من إدراكها مخاطر الزواج من رجل أجنبي يقاتل في صفوف “جماعات إسلامية” في مناطق شمال غربي سوريا، إلا أن الثلاثينية سيرين، كانت شبه مجبرة على القبول بذلك.
وتزوجت سيرين مصطفى (31 عاماً اسم مستعار) وهي من مدينة حارم شمالي إدلب من الجهادي الفرنسي الذي كان على علاقة جيدة مع والدها، نظراً لكونهم كانوا يقاتلون في خندق واحد كما أخبرها والدها أثناء محاولته إقناعها للقبول بالزواج من ذلك الرجل.
تقول سيرين، إنها وبعد أن قتل زوجها الفرنسي أواخر العام 2018 في معارك شرقي محافظة حماة، باتت تقيم اليوم في مخيم للأرامل بالقرب من مدينة حارم، وتعيش هناك مع أطفالها الثلاثة ويبلغ عمر أكبرهم سبع سنوات، تواجه ظروفاً اقتصادية في غاية الصعوبة نظراً لعدم وجود أي معيل للعائلة، حيث تعيش على السلة الشهرية التي تقدمها المنظمات الإنسانية والتي لا يتجاوز سعرها الـ25 دولاراً، وهي لا تكفي لأيام.
وعن زواجها من الفرنسي، أوضحت سيرين، أن ذلك حصل في نيسان/أبريل من العام 2014 حين قدم رجل أجنبي يبلغ من العمر (38 عاماً) مع والدها إلى منزلهم، ولحظتها أخبرها والدها بأن هذا الشاب يدعى “أبو البراء المهاجر” وهو فرنسي الجنسية وجاء إلى المنطقة قبل أشهر “للجهاد فيها ضد النظام”، وأنه يريد امرأة للزواج منها كي لا يعيش وحده.
وأضافت سيرين: “في الحقيقة شعرت بالصدمة عندما قال لي والدي أفكر بتزويجك لهذا الشاب وبدأ المديح منه، صراحة لا أدري حينها كيف أبي الذي كان واعياً يمدح من شخص لا يعرفه إلا منذ أشهر قليلة، رأيت نفسي مجبرة على الموافقة لأنني لا أستطيع أن أقول لا، لأبي، ومجتمعنا يرفض هذه الكلمة رفضاً مطلقاً”.
وبعد شهر تقريباً، تزوجت من ذلك الشاب، وعاشت معه نحو خمس سنوات وأنجبت منه ثلاثة أطفال قبل أن يُقتل في ضربة جوية في المعارك التي كانت تدور شرقي حماة، حينها بدأت سيرين مرحلة العيش كأرملة لديها ثلاثة أطفال لا يعرفون أباهم وحتى والدتهم لا تعرف سوى لقبه.
وتقول: “لم يترك لنا زوجي الفرنسي أي شيء يثبت شخصيته أو نسبه، أو حتى بعضاً من المال يمكنني من شراء منزل أو حتى خيمة أعيش فيها مع أطفاله، لم أكن أدري في الحقيقة ماذا ينتظرني، لا يمكنني العيش في منزل أهلي لأن أوضاعهم المادية أيضا في أسوأ حالاتها وبالكاد يتدبرون أمورهم”.
وتشير إلى أن المشكلة “الأكبر” التي واجهتني هي “أن أطفالي مجهولي النسب، حيث أن المنظمات التي أتقدم لها بطلب لإعطائي منزلاً أسكن فيه، ترفض ذلك دون تقديم أوراق ثبوتية”.
ولم تتوقف عند المنظمات، فقذ ذهبت أيضاً إلى مؤسسات حكومة الإنقاذ “وهي الأخرى رفضت أيضاً إعطائي أوراق ثبوتية لأنه لا يوجد أي إثبات شخصي للأب، وبعد معاناة تمكنت من تزوير بيانات ثبوتية وحصلت على شقة سكنية أنشأتها إحدى المنظمات في مخيمات حارم”.
مثل سيرين مئات من الفتيات من مختلف المناطق السورية، خضن تجربة زواج من جنسيات متعددة، أبرزها الفرنسية والخليجية والماليزية والأفريقية، وفقاً لإحصائيات تقريبية وحالات رُصدت في هذا التقرير في فترة الحرب الجارية التي ما زالت تدور رحاها في سوريا منذ نحو 12 عاماً.
وباءت بعض تجارب زواج السوريات بأجانب بالفشل والبعض الآخر قتل أزواجهن في الحرب وأصبحن مسؤولات عن أطفال أزواجهن الأجانب الذين تركوا أولادهم دون نسب ودون ورثة تجعل من بقي خلفهم يعيش دون الحاجة لأحد.ولا تختلف قصة سارة الحسين، (28 عاماً) وهو اسماً مستعاراً لامرأة تزوجت من مهاجر تونسي بعد مقتل زوجها وهو ابن عمها قبل نحو سبع سنوات، عن سابقتها.
تقول سارة إن زواجها من المهاجر التونسي كان في آب/أغسطس من العام 2018، إذ كان جاراً لهم عندما كانت تسكن مع عائلتها في مدينة إدلب، وتقدم لخطبتها بعد أن تعرف على إخوتها ووالدها.
وأظهر ذلك “التونسي”، الجانب الحسن، لسارة وأهلها، وأنه الرجل الذي ترك أرضه وبلده وعائلته وقدم إلى سوريا من أجل “الجهاد بها والدفاع عن دين الله” كما كان يصف.
حينها وافقت عائلة سارة، على طلب ذلك التونسي دون الرجوع لها وأجبروها على الزواج بحجة أنها امرأة أرملة ولا يجب أن تبقى دون زوج يداريها، “لم يكن لدي خيار آخر غير الموافقة، فعائلتي متعصبة وبنظرهم المرأة المطلقة أو الأرملة هي الحلقة الأضعف ولا يجب أن تبقى دون زواج”.
وتضيف: “الأمر الذي جعلني متخوفة كثيراً هو أنني أعرف قصصاً كثيرا لفتيات ونساء فقدن أزواجهن الأجانب إما في المعارك أو الاعتقال من قبل تحرير الشام أو عودتهم إلى بلادهم وترك نسائهم وأطفالهم خلفهم، وهو ما كنت أتوقعه في الحقيقة وما كنت خائفة منه حصل بالفعل”.
إذ أنه وبعد نحو عام ونصف من زواجها “أخبرني زوجي، وحينها كنت حاملاً في الشهر السابع، بأنه سوف يخرج من إدلب إلى تركيا بطريقة غير شرعية من أجل عمل خاص لم يخبرني عنه، وأخبرته أنه بإمكاني أن أذهب معه لكنه لم يوافق”.
وبالفعل خرج بعد أيام “وإلى هذا اليوم، لا أدري عنه شيئاً حيث خرجت شريحته عن الخدمة والواتساب توقف أيضاً منذ ذلك التاريخ، أدركت حينها بأنه قد عاد إلى بلده بعد انتهاء مهمته، وأنا اليوم أربي طفله الذي بات يبلغ من العمر عاماً ونصف”.
وبصوت تخنقه العبرة تقول: “عدت إلى أهلي الذين استقبلوني وكانوا مدركين منذ ذهاب زوجي إلى تركيا بأنه لن يعود”.
ولا توجد حصيلة دقيقة لأعداد النساء السوريات اللواتي تزوجن من الجهاديين الأجانب، ولا حتى أطفال هؤلاء الأجانب، إلا أن مصادر غير رسمية قالت، إن أعداد النساء اللواتي تزوجن من أجانب في إدلب وحدها يزيد عن ألف، بينما يزيد عدد الأطفال عن أربعة آلاف طفل معظمهم يعانون من أوضاع معيشية واقتصادية سيئة للغاية.
ويدفع الفقر الذي يعاني منه معظم السكان في مناطق سيطرة المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام في شمال غربي سوريا، الكثير من العائلات لتزويج البنات في سن مبكر لا سيما للأجانب “الذين يدفعون أموالاً طائلة” من أجل الزواج بفتاة قاصر لا يتجاوز عمرها الـ16 عاماً، وذلك بحجة أن الفتاة بهذا العمر يمكن إعادة تأهيلها وتربيتها بالطريقة التي تناسبه، فضلاً عن مرونة زرع الأفكار المتشددة في ذهنها.
وفي حزيران/ يونيو من العام 2021 تقدم مهاجر جزائري يبلغ من العمر 45 عاماً يدعى “أبو قتادة الجزراوي” لخطبة ريم النجم التي كانت تبلغ من العمر حينها (17 عاماً)، مستغلاً ظروف عائلتها السيئة.
وعرض على والدها مبلغ 10 آلاف دولار أميركي مقابل تزويجه ابنته ريم، التي أكدت أنها رفضت وبشدة ذلك، لكن رفضها لم يدم طويلاً بسبب ضغوط والدها وأمها، لتوافق مجبرة على الزواج من ذلك الرجل الذي أمضى معها نحو أربع أشهر ومن ثم طلقها و”رماها” في منزل عائلتها، على حد وصفها.
تقول ريم، إنها من لم تتمكن من مقاضاة زوجها الجزائري بسبب نفوذه الكبير في المحاكم التابعة لهيئة تحرير الشام، وبسبب قلة إمكانيات عائلتها التي كانت السبب في الأول في تدمير حياتها.