العدد الثالث و العشرين ..النصف الاول من شهر يناير كانون الثاني من عام ٢٠٢٤…المرأة السورية: نجاحات رغماً عن الحرب
بدأت الشابة أماني العلي بالعمل في الرسم الكاريكاتيري الاجتماعي والسياسي في عام 2016. وواجهت الكثير من الصعوبات في البدايات، وكان أهمها رفض عائلتها لهذا العمل وعدم تقبّل المجتمع لها كرسّامة. تقول: “تواصل معي أحد الرسّامين وقال لي أنتِ تدخلين إلى منطقة مخصصة للرجال، ليس هناك مجال للنساء فيها”. تجاوزتْ الشابة كلّ ذلك وتابعتْ مسيرتها لإثبات نفسها وإثبات أن المرأة قادرة على أن تتواجد في جميع مجالات الحياة، ونجحت بإقامة عدّة معارض دولية لرسوماتها في بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وهولندا.
تعتبر أماني واحدة من النساء السوريات اللواتي غيرتْ الحرب حياتهنَ، وجعلتهنَ يتوجهنَ لأعمال جديدة، يكسرنَ من خلالها الصورة النمطية التي اثقلتْ كاهل المرأة منذ اندلاع الحرب 2011. بل جعلت الكثير منهن يخاطرن بالجسد والروح والمشاركة في أعمال كالدفاع المدني والرعاية الطبية والإسعافية لضحايا القصف الروسي والسوري الذي يستهدف مناطق سكنهن، ودفع ذلك بعضهنَ إلى تأسيس مشاريعهنَ الخاصّة ويساهمنَ في مجتمعاتهن للنهوض بها من بين ركام الحرب.
تمكنت الشابة أماني من تطوير جهودها والعمل الذي تقوم به، مع استمرارها بالقتال لإثبات قدرتها. ومع مرور الوقت تمكنت من إقناع محيطها بالدور المهم الذي تقوم به. تقول:” لقد تقبّلني الجميع وخاصة بأنني أقوم بمواكبة الأحداث وتسليط الضوء على معاناة الشعب السوري الذي أنتمي إليه، وتمكنت من العمل مع صحف محلية عربية وحتى أجنبية، وكنت عندها الرسّامة الوحيدة في المنطقة”. تتابع : “أنا فخورة بنفسي واعتبر الذي أقوم به طبيعي، ولا أعتبره نجاحاً لأنه من مهامي وواجبي كامرأة المحاولة والاستمرار في القتال والسعي للأفضل لنكون نحن النساء في المقدمة”.
حقول خطرة
هناك في سوريا الوضع مختلف، والهجمات لا تميّز بين الرجال والنساء والأطفال. أفادت مفوضيّة الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان في تقرير لها صادر في يونيو 2022، بأنّ أكثر من 306,000 مدنياً سقطوا نتيجة الحرب المستمرة في سوريا. وقد أفادت مفوضّة الأمم المتّحدة ميشيل باشيليت حول التقرير: “ليست أعداد الضحايا المرتبطة بالنزاع الواردة في هذا التقرير مجرد مجموعة من الأرقام، بل تمثل أفرادًا وبشرًا. فقتل هؤلاء المدنيين يحمل آثارًا عميقة تتردّد أصداؤها في الأسرة والمجتمع المحلي الذي ينتمون إليه.”
إيمان عبد الغني فقدت زوجها، حيث قُتل في مدينة دوما بريف دمشق، أثناء قصف لقوات النظام السوري على المدينة. ثم هُجّرتْ بعدها من مدينتها باتجاه مدينة الباب في ريف محافظة حلب، ووجدت نفسها المُعيل الوحيد لأربعة أطفال. لم يكن لديها الكثير من الخيارات في ظل قلة فرص العمل. قررت أن تتعلم قيادة السيارة والحصول على الشهادة، لتبدأ لاحقاً عملها كسائقة سيارة أجرة للنساء فقط، في مدينة الباب وأعزاز ومدن إدلب وسرمدا والدانا.
تقول إيمان “واجهت التنمر من قبل المجتمع وعانيت الكثير، كل ذلك لأجل عائلتي وأطفالي”. لاقت بعض النساء في المنطقة التي تعمل فيها إيمان راحة نفسية في استخدام السيارة معها، لحفظ خصوصيتهنَ بدلاً من الخروج مع سائق من الرجال.
“في ظل القصف في سوريا، كلنا ضحايا، وكلنا يجب علينا أن نعمل لنساعد بعضنا”، تقول (هبة المواس، 25 عاماً) وهي سيدة سورية أخرى، نازحة من محافظة حماة، تعمل كمتطوعة في في (الخوذ البيضاء) الدفاع المدني السوري في منطقة شمال غرب سوريا. تعيش مع أطفالها ووالدها في أحد المخيمات في المنطقة، بعد أن هجّرتها قوات النظام السوري وروسيا مرتين على التوالي. في أواخر عام 2012 بعد أن بدأت القنابل تمطر المناطق السكنية في مناطق مختلفة من سوريا، اضطرت هبة حينها إلى تعليق دراستها بعد تدهور الوضع بشكل متسارع.
تقول المواس: “تلقيت التدريب وانضممت إلى فرق الخوذ البيضاء النسائية، التي تقدم الإسعافات الأولية لضحايا الحرب وتعمل مع العائلات والنساء على ممارسات السلامة، عند تقديم المساعدة والعون وإنقاذ الأرواح لا يمكن وصف الشعور، لأن المشاعر تكون عظيمة بإنقاذ الأرواح وتقديم يد العون لهم، وإدخال الفرحة إلى قلوب أهلهم، وتقديم الدعم النفسي للأطفال، كونهم الأكثر تأثراً بالحرب التي قتلتهم وحرمت الكثير منهم من ذويهم بالاعتقال القسري أو القصف ودمرت بيوتهم وهجرتهم ودمرت مدارسهم، وبحاجة أن نكون بجانبهم دائماً، وأن نزرع الأمل بمستقبل أفضل نسعى له”.
تعمل الشابة والأم لثلاثة أطفال إلى جانب العديد من النساء في أخطر الأماكن وتواجه الصعوبات والتحديات بشكل يومي، تقول: “أنا كأم ومتطوعة هناك العديد من التحديات التي تواجهني في عملي، وخاصة في ظل الهجمات الممنهجة للنظام وروسيا التي لا تتوقف وتستهدف المناطق والمرافق العامة ومراكزنا المنتشرة في المدن والبلدات، بالغارات المزدوجة التي تستهدفنا أثناء الاستجابة وعمليات الإنقاذ”.
تتابع: “أودع طفلي ووالدي في صباح كل يوم، ربما لا أعود بسبب هجوم يستهدف المركز أو في الطريق”. تخوض النساء في سوريا هذه الأيام معركة حقيقية سببتها الحرب المستمرة منذ 11 عاماً للحفاظ على المجتمعات ولإنقاذ الحياة، في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية قد لا تقل صعوبة عن ضغوط الحرب، في كل لحظة كانت المرأة السورية بالخطوط الأمامية، في السلم وفي الحرب.تزداد المخاطر مع انتشار الأوبئة والأمراض وقلة الخدمات الطبية والصحية، مثل وباء كورونا وكوليرا حالياً وتعمل هبة على التصدي لهذه الأزمات وتعمل في الخطوط الأولى، ما يجعلها أكثر عرضة للإصابة.
تقول هبة: “أحاول قدر المستطاع استخدام وسائل الحماية لمنع العدوى أو نقلها لعائلتي”. استطاعت هبة خلال سنوات عملها في الدفاع المدني على تجاوز الكثير من التحديات وتحقيق التوازن بين العمل والمنزل، وشاركت متطوعي الخوذ البيضاء في عمليات البحث والإنقاذ في المناطق المستهدفة لإنقاذ المدنيين. تقول هبة: “وأشعر بالفخر كون عائلتي تحب عملي وتدعمني بشكل دائم”.
واقع معيشي صعب ومشاريع نسوية لمواجهته
يعاني الشعب السوري من أوضاع معيشية غاية في السوء، وحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن 90% من الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر، حيث انهارت العملة المحلية لأدنى مستوياتها، وبلغ تصريف الدولار الواحد حدود السبعة آلاف ليرة سورية وفقاً لموقع الليرة المحلي. انعكس ذلك على حياة الناس، وباتت الأسر تعاني الأمرّين للحصول على لقمة عيشها، حيث الدخل منخفض جداً مقارنة بالأسعار المرتفعة. تقوم العديد من النساء في سوريا بافتتاح مشاريعها الخاصة لإعالة أسرهن وتجاوز صعوبات الواقع المعيشي الذي يزداد سواً يوماً بعد يوم، من تلك المشاريع مطعم أم محمد السيدة السورية من مدينة حلب 40 عام، والنازحة في مدينة جرابلس شمالي حلب.
قامت السيدة بإطلاق مشروعها الخاص لكسب مصاريف الحياة، والمسؤولية التي وقعت على عاتقها بعد مقتل زوجها خلال الحرب أثناء الحملة الروسية على مدينة حلب، وبذلك أصبحت هي المعيل الوحيد لأطفالها الستة. بدأت فكرة المشروع بتكوين المطبخ الخاص بأم محمد بجلب أصغر قطعة من معدات المطبخ عن طريق شراء فرن وبراد وبعض أدوات المطبخ وبعدها اكتمل المشروع ليصبح تحت اسم “المطبخ الشرقي” .
يشتهر المطعم بتقديم العديد من وجبات والمأكولات الشعبية الحلبية مثل المناسف والكبب والكبسة والمحاشي. حيث لاقى المشروع رواجاً ونجاحاً كبيراً، والكثير من الإقبال بسبب اللقمة الطيبة والنظافة داخل المطعم. تقول أم محمد: “لقد ساهم المشروع في إعالة أسرتي وتربية أطفالي، حيث أصبح بإمكاني تدريسهم وتعليمهم في المدارس”.
وظفت أم محمد حوالي 25 عاملة ضمن مشروعها، منهن أيتام وأرامل معيلات لعوائلهن، حيث ساهمت في تحسين دخلهن وهي تسعى إلى تطوير المطبخ وزيادة عدد العاملات إلى 50 عاملة من أجل مساعدة المزيد من العائلات التي تعيش في حالات الضعف والفقر الشديد وخاصة من الأرامل النازحين.
نشاط مدني لدعم النساء
تقول نيفين الحوتري خبيرة اجتماعية تعمل كرئيسة مجلس الإدارة في منظمة وحدة دعم وتمكين المرأة : “النساء بحاجة لتمكين اقتصادي وفرص عمل ثابتة، لا سيما أن العديد منهن أصبحن معيلات لأسرهن بسبب فقدان المعيل”. كذلك تؤكد على دور النساء المهم ووجودهن في الكيانات السياسية والمدنية، وأنه أمر مهم للغاية، ويعتبر نجاح للمرأة للتأكيد على دورها المهم في المجتمع، وبأنها جزء مؤثر في جميع الجوانب.’وحدة دعم وتمكين المرأة‘ واحدة من المنظمات غير الحكومية التي تدعم حقوق المرأة في سوريا، وهي منظمة مجتمع مدني محلية وغير ربحية، تعنى بشؤون النساء وتسعى لتمكينهن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتسعى لتلبية احتياجاتهن.
وتعمل بريفي محافظة حلب الشمالي والشرقي، ويتبع لها لجان فرعية ومراكز في سبعة مدن سورية ’أعزاز، عفرين، مارع، الباب، بزاعة، قباسن، جرابلس‘.توضح الحوتري : أن منظمتهم تستهدف النساء، وتتنوع الشريحة المستهدفة، حيث تبدأ النشاطات التي يقومون بها بالفئة العمرية ابتداءً من 18 عام إلى 50 عام باختلاف الخبرات والمستوى التعليمي، والنازحات والمقيمات منهنَ.
عدد النساء الأعضاء في المنظمة يصل إلى ما يزيد على 1500 امرأة، بالإضافة إلى لجان نسائية منتخبة في مناطق أخرى. وبالنسبة للأهداف والمشاريع التي يقومون بها من أنشطة وأحداث تتعلق بتمكين المرأة في جميع جوانب الحياة، تقول: “لقد أطلقنا برامج تحت عدة مسميات (تدريب، تمكين، تشبيك، مشاركة)، نسعى من خلالها إلى تدريب النساء لخلق أرضية داعمة، تستند عليها النساء نحو مشاركة حقيقية. من خلال برنامج تمكين نسعى لتوفير جو عملي يساعد على التعلم بالممارسة. نقوم بخلق شبكة علاقات نسائية لتوسيع دائرة التنسيق من خلال برنامج تشبيك، والعمل على تعزيز المشاركة الحقيقية للنساء بمواقع اتخاذ القرار”.
تؤكد رئيسة مجلس إدارة المنظمة بأن المشاكل والتحديات هي مشتركة لدى معظم النساء المقيمات في مناطق شمال سوريا، وتتمثل هذه الصعوبات بضعف الخبرات النوعية لدى النساء بسبب الأوضاع الأمنية، التي مرت على المنطقة واضطرت النساء إلى التغيب عن المشهد ببعض المواقع، وقلة فرص العمل بشكل عام، مما يدفع البعض للتفكير بأن السبب الرئيسي في عدم توفر فرص العمل للرجال هو استيلاء النساء على هذه الفرص. بينما في الحقيقة الوضع الاقتصادي عموماً متدهور. بالإضافة إلى عدم الاستقرار الأمني والسياسي، والمستقبل الضبابي الذي يعيشونه هناك.
تشرح نيفين الحوتري بأنها ترى أن الثورة السورية والحرب قد فتحت أفاق جديدة لكل السوريين والسوريات، وأن العمل في القطاع المدني لم يكن متاحاً بهذا الشكل قبل العام 2011 وخاصة المشاركة النوعية للنساء في القطاعات المهمة والمؤثرة في المجتمع.
وتختم: “لازال الواقع بحاجة لعمل ونضال طويل، والتجارب التي عاشها الشعب السوري منحتهم الكثير من الخبرات”.