العدد الثالث و العشرين ..النصف الاول من شهر يناير كانون الثاني من عام ٢٠٢٤…سوريات يروين قصص جحيم «العبودية الجنسية»
في غرفة مظلمة طليت نوافذها باللون الأسود، سرير علق فوقه سوط وثياب داخلية نسائية ملقاة على الأرض، في هذا المكان المقزز والأشبه بزنزانة داخل أحد بيوت الدعارة في شمال بيروت، خضعت سهى ولسنوات طويلة مع العشرات غيرها لـ«العبودية الجنسية».
وتقول سهى (27 عاما) التي تستخدم اسما مستعارا في مقابلة ، «كان علينا ممارسة الجنس مع 15 إلى 20 رجلا في اليوم، وأحيانا يصل العدد إلى 40».
وفي بداية أبريل/نيسان الحالي، هزت لبنان فضيحة كشف فيها عن شبكة للإتجار بالبشر، وبحسب المنظمات الحقوقية، ازداد عدد النساء اللواتي يمارسنّ الدعارة او هن عرضة للإتجار بالبشر، منذ بداية الحرب في سوريا في 2011، لا سيما في لبنان والأردن.
وحررت القوى الأمنية اللبنانية الشهر الماضي 75 فتاة تتراوح أعمارهنّ بين 20 و28 عاما، معظمهنّ من السوريات، أجبرن على ممارسة الدعارة وتعرضنّ لأبشع أنواع الضرب والتعذيب.
وزاد من وقع الصدمة، توجيه سياسيين اتهامات لمسؤولين في شرطة الآداب بالتواطؤ مع القائمين على شبكة الإتجار هذه، فضلا عن إقفال عيادة طبيب نسائي اعترف -حسب الأمن الداخلي اللبناني- بإجراء 200 عملية اجهاض للفتيات، دون أن يتم توقيفه.
وتقول سهى التي لجأت إلى إحدى مدن جنوب لبنان، «لم نكن نخرج من المحل، كان الحراس يحضرون لنا كل شيء: الثياب والماكياج والطعام».
تعذيب وجلد
تروي سهى التي تمكنت من الفرار من سجنها، قبل 4 أشهر من الكشف عن الشبكة، كيف كان يجب على الفتيات إرضاء الزبون أيا كانت رغباته، وتقول الشابة السمراء «إذا رفضت إحدى الفتيات ممارسة الجنس الشرجي أو دون واق ذكري، أو في حال عبّر الزبون عن عدم رضاه، يتم جلدها بعد ربطها على الطاولة في ساعات الصباح الأولى».
وفرّ معذب الفتيات، وهو عنصر سابق في المخابرات الجوية السورية، قدمته السلطات بحرفي اسمه الأولين «ع.ر» إلى سوريا، وفق مصادر أمنية، وكان يدير بيتي الدعارة «شي موريس» و«سيلفر» في منطقة المعاملتين المعروفة بملاهيها الليلية، شمال بيروت.
وتدخن سهى سيجارة تلو أخرى، وتقول «بعد إغلاق المحل في الصباح، كان «ع.ر» يمدد الفتاة بثيابها الداخلية على طاولة، ويضربها بالكرباج أو بواسطة ماسورة، ويرمي عليها مياها باردة. وإذا حاولت الهرب، يلاحقها بالضرب بقدميه على رأسها وبطنها».
«كان التعذيب يحصل أمام جميع الفتيات ليكون درسا لهن في حال عدم خضوعهن، وفي إحدى المرات، اضطرت شابة للبقاء شهرا كاملا في السرير، نتيجة الضرب المبرح»، حسب سهى.
وتؤكد سهى أنه لم يكن يسمح للفتيات بالخروج إلا في حالة واحدة، إذا أثارت إعجاب «ع.ر»، فيأخذها معه «ليمارس الجنس معها، فتقضي الليل لديه وبذلك يختبر كيف تقوم بعملها، وكأنها مجرد سلعة يجربها ويعيدها إلى المحل».
وبعد الكشف عن شبكة الاتجار بالبشر هذه، أقفلت القوى الأمنية «شي موريس وسيلفر» بالشمع الأحمر، فضلا عن عدد من بيوت الدعارة الأخرى شمال وجنوب بيروت.
وتم استدراج سهى من جنوب سوريا حين كانت في الـ18 من العمر إلى لبنان، مثلها مثل غالبية الفتيات من ضحايا الاتجار بالبشر في العام 2008، إذ وعدها أحد معارف «ع.ر» بالعمل كنادلة في مطعم، وفور وصولها، صدمت بما كان ينتظرها، وتقول «حين رفضت العمل، ضربني وقال لي: دفعت 3 آلاف دولار لأحصل عليك، تأخذين حقك وتعطيني حقي».
وتم استدراج سهى من جنوب سوريا حين كانت في الـ18 من العمر إلى لبنان، مثلها مثل غالبية الفتيات من ضحايا الاتجار بالبشر في العام 2008، إذ وعدها أحد معارف «ع.ر» بالعمل كنادلة في مطعم، وفور وصولها، صدمت بما كان ينتظرها، وتقول «حين رفضت العمل، ضربني وقال لي: دفعت 3 آلاف دولار لأحصل عليك، تأخذين حقك وتعطيني حقي».
أجنة مدفونة
ويقول المقدم جوزف مسلم، رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، إن التحقيقات كشفت أن «الفتيات كن يحتجزن فور وصولهنّ إلى لبنان، وتتم مصادرة أوراقهنّ الثبوتية، وهواتفهنّ الخلوية، وكان يمارس عليهم رق واستعباد حقيقي».
وأوضح مسلم أن القوادين يختارون في سوريا (الفتيات) من عائلات هشة أو اللواتي فقدنّ والدهن ووالدتهن، ليحولوا دون أي ملاحقة جدية في لبنان، ويشير إلى أن عدد المومسات وضحايا الإتجار بالنساء ارتفع مع بدء الحرب السورية قبل 5 سنوات.
«كان بعض القوادين يعرضون العمل على الفتيات، وآخرون يعدونهن بالزواج، قبل إحضارهن إلى لبنان»، وفق ما تقول مايا عمار، منسقة التواصل في جمعية «كفى» المدافعة عن حقوق المرأة، والتي أخذت على عاتقها، مع جمعيات أخرى، حماية بعضًا من الضحايا بعد تحريرهنّ، وتضيف «تم اغتصاب عددًا من النساء في اليوم الأول لوصولهن، بغية اخضاعهنّ».
وحسب سهى، كان يتم شراء بعض الشابات، وبالتالي تبقين سجينات إلى وقت غير محدد، واستئجار أخريات لبضعة أشهر، قبل نقلهنّ للعمل مع شبكة أخرى، وتقول «طوال هذه السنوات، شعرت أنني مجرد قمامة، لم أكن أشعر بجسدي، فهو ملك لأناس يستعبدوني، هو ملك للزبائن».
وبالإضافة إلى «العبودية الجنسية» والضرب والتعذيب، كانت الفتيات يجبرن أحيانا على الإجهاض القسري «إن كان لدى طبيب أو عن طربق أدوية»، وبعد الاجهاض، كان الجنين يؤخذ ويدفن في الحديقة الخلفية لشي موريس».
ونتيجة الاجهاض القسري هذا، كانت غالبية الفتيات تصاب بالتهابات وأمراض داخلية.
ويقول مسلم إن فتيات كثيرات فكرنّ بالانتحار بسبب «رعب حقيقي» كن يشعرن به، خصوصا وأن القوادين «اقنعوهن أنهم قادرون على القيام بما يشاؤون وأنهم يتمتعون بنفوذ قوي في لبنان».
ويقول سكان المنازل المحيطة بشي موريس، لفرانس برس، أنهم كانوا يسمعون صراخ الفتيات، لكن فور أن يقوم أحدهم بإبلاغ الشرطة، يتوارى «ع.ر» عن الأنظار.
قوانين متناقضة
وتقول سهى إن الفتيات لم يكن يتجرأنّ على الحديث مع الزبائن، لكن وبعد معاناة طويلة، نجح عدد منهنّ بالفرار في بداية نيسان/أبريل بمساعدة بعض الزبائن.
وتتراوح عقوبة المتورطين في الاتجار بالبشر، بين 5 إلى 15 عامًا في السجن، وفق قانون جديد دخل حيز التنفيذ في العام 2012، لكن بحسب عمار، هناك قانونان متناقضان الأول يعاقب الفتاة التي تمارس الدعارة والثاني المتعلق بالإتجار بالبشر والذي يعتبرها ضحية، وتنتقد عمار “الازدواجية” في المجتمع اللبناني، مشيرة إلى أن بيوت الدعارة المنتشرة في المعاملتين ليست سرًا على أحد.
وتشير عمار إلى حالات «أقل تطرفًا إنما يتم تجاهلها»، مثل الفتيات القادمات من روسيا وأوروبا الشرقية واللواتي يحملنّ «تأشيرة فنانات» يمنحها لهنّ الأمن العام اللبناني، لكنهن في الواقع يمارسنّ الدعارة.
وتوفر الجمعيات حاليا الرعاية الطبية والنفسية والمساعدة القانونية لضحايا شبكة الاتجار بالنساء، ما يتيح لهن بدء حياتهن من جديد، واختار البعض منهنّ رفع دعاوى قضائية لتحصيل حقوقهن، بينما عادت أخريات إلى سوريا، ويلاحق سهى شعور بالغضب إذ تقول «لقد دمروا حياتنا».