العدد الرابع و العشرين ..النصف الثاني من شهر يناير كانون الثاني من عام ٢٠٢٤…صورة المرأة في الدراما السورية – من التنميط الى تكريس العنف

مقدمة

تأتي كلمة “دراما” من الكلمة اليونانية “draomai” التي تعني العمل والتصرف وما إلى ذلك. بشكل عام، والدراما نوع من الأعمال الأدبية التي تصور الحياة أو القصة والشخصية والسلوك البشري من خلال الحركات والحوارات التي تتم على خشبة المسرح في عدة مراحل وتُعرف أدبياً على أنّها تركيب من الشعر أو النثر يهدف إلى تصوير الحياة، أو الشخصية، أو سرد القصة التي عادةً ما تنطوي على الصراعات والعواطف من خلال الحدث والحوار المُصمّم عادةً للأداء المسرحيّ. وفقا لفرديناند برونيتيري، تولّد الدراما الإرادة من خلال العمل أو الحركة. وقد تطورت الدراما من المسرح وأخذت أشكال وأنواع مختلفة، كالسينما، والتلفزيون، والإذاعة.

وتعد الدراما بأشكالها المختلفة أحد الفنون المنتشرة اليوم لا سيما منها الدراما التلفزيونية، ولقد كان للدراما التلفزيونية السورية حضوراً قوياً ومتابعة واسعة منذ انتشار الفضائيات مطلع التسعينات، و كانت قبل ذلك قد حققت متابعة جيدة على المستوى المحلي داخل سوريا عندما كانت مرتبطة بالمحطات الأرضية فقط، وذلك يعود إلى دخول التلفزيون إلى جميع البيوت، وتحوله إلى جزء رئيسي من الحياة الاجتماعية اليومية في الشارع السوري. وقد حققت المسلسلات الدرامية السورية منذ مطلع الألفية شهرة واسعة في كل من الخليج ودول المغرب العربي، متصدرة في أحيان كثيرة قوائم الأكثر مشاهدة، ومنافسة الدراما المصرية الأقوى عربياً، حتى باتت تسمى تلك الفترة في الصحافة العربية ب (طفرة الدراما السورية ).

وبحكم التغير في المزاج الفني العام عربياً ودولياً أخذت الدراما السورية تغير في مواضيعها وأدواتها وأصبح الجانب التسويقي والتشويقي، يأخذ دوراً محورياً في هذه الصناعة بشكلها الجديد، وبات يتم إنتاج المسلسلات آخذاً بالحسبان معايير تسويقية على حساب القيمة والمعايير الفنية، لتظهر أنماطاً جديدة سواء على صعيد كتابة السيناريو واختيار المواضيع أو على صعيد الإخراج والإنتاج، ولعل المعايير التجارية وشروط التسويق التي سادت منذ بداية التسعينات وحتى اليوم أفرزت آليات عمل وأهداف مختلفة للعمل الفني لا تستند إلى مرجعيات أخلاقية ولا تضع القيم الانسانية في سلم أولوياتها بل أصبحت الأهداف تنحو باتجاه التسويق والانتشار على حساب القيمة الفنية والأخلاقية.

سنتعرض في هذا البحث لقضية صورة المرأة في الدراما التلفزيونية من خلال عدة محاور الأول: هو دور ووظيفة الدراما، والثاني: مدى تأثيرها على المتلقي وهذان المحوران يمثلان المقدمات الضرورية التي تنبع منها أهمية قراءة واقع المرأة وصورتها التي تعكسها الدراما، وهي موضوع المحور الثالث في هذا البحث.

أولاً: دور الدراما ووظيفتها(سؤال الفن)

لاشك أن السؤال عن وظيفة ودور الدراما بوصفها أحد أنواع الفنون يرتبط بالسؤال عن وظيفة ودور الفن بشكل عام. وبطبيعة الحال يحيلنا هذا السؤال إلى فلسفة الجمال ومعاييرها الانسانية. وعلى اختلاف المدراس في فهمها لنظريات الفن والجمال فإنهم يعبرون عن المعايير التالية، تحقيق شرطي المتعة والفائدة معاً، بالإضافة الى الارتقاء بالذوق العام، والتعبير عن هموم ومشكلات المجتمع وقضاياه الأساسية لا سيما الحرية بوصفها النزوع الأساسي للإنسان. وبوصف الفن التعبير الأسمى عن هذا النزوع. وفي هذا السياق يرى الكاتب والسيناريست ممدوح حمادة أن “وظائف الدراما متعددة وبناء على الهدف الذي تطرحه مسبقاً، يمكن تحديد وظيفتها فإن كان الهدف من هذه الدراما ترفيهياً وهو أمر مشروع ، فإنه لا يمكننا أن نطلب منها طرح رسائل عميقة ومن هنا فإن لبعض الأعمال وظائف تنويرية مثلاً ولبعضها الآخر وظائف تحريضية، وأخيراً فإن على الدراما في بلدان يسيطر عليها الجهل أن تقوم بدور نهضوي وإلا فهي ليست أكثر من مادة للتسلية لا قيمة لها”. وترى ريما فليحان الكاتبة والنسوية السورية أنه “في بلداننا النامية يجب على الفن أن يحمل رسالة توعوية، ليس لدينا رفاهية الفن من أجل الفن بعد. هناك مشاكل كبيرة يغرق فيها المجتمع السوري، ولأن هذا المجتمع يتابع الدراما ويتأثر، بها يجب أن يحمل هذا الفن دوراً توعوياً نقدياً في ما يتعلق بحياة الناس. كل كتّاب وكاتبات الدراما يتحملون مسؤولية أخلاقية ويجب أن يكونوا واعين وواعيات تماماً ما هي الحوامل الفكرية التي يبنون عليها النص الدرامي ومنها صورة المرأة.“

وفي هذا الإطار يقول الكاتب والمخرج والممثل رافي وهبي، في الاجابة عن السؤال: إلى أي مدى تحمل الدراما السورية اليوم قيماً جمالية وفنية، وكيف ترى دور ووظيفة الدراما؟ “للفن دور في صناعة الوعي العام ويحمل رسالة بمضامين يفترض أن تحمل تأثيرات سواء مباشرة أو غير مباشرة، قريبة أو بعيدة المدى، بالإضافة إلى الناحية الجمالية ولكن بالحديث عن العالم اليوم وعن سوريا بشكل خاص، فهناك بعد شديد ما بين هذا المنظور للدراما كجزء من الفن، وبين واقع الإنتاج الفعلي سواء على مستوى الأشكال أو على مستوى المضامين والمعالجات، بحيث يمكن القول هناك ابتعاد كلي عن الواقع وقد كانت ميزة الدراما السورية أنها دراما واقعية منذ نشأتها وتطورها لتصبح صناعة لغاية العام 2010، إذ كانت بحسب تعبير الكاتب نجيب نصير ” دراما احتجاجية” من حيث كونها ترتبط بالواقع وتحتج عليه وتحاول تطويره سواء كانت دراما كوميدية أو اجتماعية أو تاريخية، إلا أنها بالنهاية دراما جدية و واقعية ويرجع الفضل بذلك إلى جيل المؤسسين بالمراحل المتعددة التي مرت بها الدراما. لكن للأسف فإن الدراما اليوم أو ما تسمى الدراما المعاصرة فهي منفصلة عن الواقع، تعمل وفق مقاربات سطحية وغير موضوعية غالباً حتى على مستوى الصناعة وليس فقط على مستوى المعالجة ومستوى النص، الذي تبدأ منه المشكلة، بلا شك هناك بعد كبير رغم وجود بعض المحاولات الجيدة، لكن يمكننا القول بأنه لم يعد لها حضور بسبب الأنواع الأخرى من الدراما المرتبطة بمتطلبات السوق والترفيه المجاني.”

ثانيا: أثر الدراما التلفزيونية وانعكاسها

تعتبر الدراما التلفزيونية قوة ثقافية مؤثرة في المجتمع. ولا بد من الإشارة هنا إلى (نظرية الغرس الثقافي) والتي تقوم على قاعدة أساسية مفادها أن المتلقي يتبنى ما يقدم له في وسائل الإعلام من قيم وأفكار وسلوكيات، وذلك من خلال التأثير التراكمي وبعيد المدى حيث أنها تعتبر أن استمرار تعرض الإنسان عبر وسائل الإعلام إلى أفكار جديدة، يؤدي إلى تبني هذه الأفكار ويغير في أسلوب حياته متأثراً بما يعرض عليه. وقد تطورت هذه النظرية من مجرد توصيف العلاقة بين رسائل وسائل الإعلام وسلوك وقيم المتلقي، إلى السعي لتوظيف وسائل الإعلام لغرس المبادئ والأفكار والقيم والاتجاهات لدى الجمهور . فوفقاُ لهذه النظرية فإن التلفزة وخاصة الدراما والمسلسلات تشكل عاملاً في التكيف الاجتماعي، وهي الباني الرئيس للصور والمتمثلات العقلية للواقع الاجتماعي.

ومن هنا فإن السؤال الذي يبقى ضرورياً هو في مدى إمكانية مساهمة الدراما في بناء المنظومة القيمية لأفراد المجتمع ومدى قدرتها على تضمين أهداف أخلاقية في معايير العمل الفني، بحيث يعكس قضايا الناس ومشكلاتهم الحقيقة ضمن آليات نقدية غايتها تعرية المفاهيم السلبية وطرح الاسئلة والحلول التي تسهم في معالجة تلك المشكلات.

دعونا نطرح هنا أمثلة مباشرة عن أثر الدراما وقوة تأثيرها على السلوك والقيم المتبناة لدى الأفراد، يتعلق الأول بقضية الثأر أحد الظواهر المنتشرة في مصر لا سيما في منطقة الصعيد، والتي كان للمعالجة الخاطئة في الدراما دور خطير في تعزيزها بدلا من المساهمة في الحد منها، على سبيل المثال بأحد الأعمال الدرامية المصرية التي تتحدث عن قضية الثأر في الصعيد فقد تسبب مشهد في المسلسل بوقوع عدد من حالات القتل في الواقع بدافع الأخذ بالثأر بعد أن قام بطل المسلسل والمقدم بصورة ايجابية للمشاهد بفعل القتل لرد اعتباره والمحافظة على شرفه، ما جعل من الشخصية الدرامية نموذجا مفضلا تُستلهم أفعاله على أرض الواقع، ويحمل الخبراء اليوم صناع الدراما في مصر مسؤولية تعويم المفاهيم السلبية الموجودة عن المجتمع الصعيدى بطريقة المعالجة الدرامية التي تستند إلى تكريس الصور النمطية السائدة من حيث ربط مفهوم الكرامة والشرف بالقتل، مما يغذي فكرة الثأر ويبرر حدوثه ، الأمر الذي ساهم في زيادة العنف داخل المجتمع وشجع على تقبله، في الوقت الذي يجب على الدراما أن تقوم بمعالجة هذه الظاهرة معالجة صحيحة تعزز من خلالها قيم التسامح والانسانية التي يتحلى بها أهالي الصعيد. ، كما تشير عديد من الدراسات إلى ارتفاع ملحوظ بظاهرة تعدد الزوجات بعد عرض المسلسل الشهير ( عائلة الحاج متولي ) الذي عرض في العام 2001.

والمثال الآخر من اليمن وهو نموذج مباشر لخطورة التأثير والإيحاء التي تلعبها الدراما فقد أقدم مواطن يمني على قتل خمسة أشخاص متأثراً بشخصية مراد علم دار في المسلسل التركي الشهير ( وادي الذئاب)،

وهنا لا يمكن إغفال تأثير عامل الإبهار البصري التي تحدثه الأدوات الفنية التي تمتلكها الدراما ( الديكورات، الأزياء، اختيار الممثلين والممثلات ..الخ) ومدى مقاربتها للواقع وأثرها في المجتمع، وعن ذلك تقول الكاتبة والإعلامية نسرين طرابلسي “ما دامت المرجعية دوماً للواقع الذي يعتبر التشابه معه معياراً للجودة والمصداقية. ستبقى الأعمال مثل مياه الناعورة، تعيد بضاعتنا إلينا. ومادامت هناك جهات رقابية تابعة للسلطة تحدد خطوطاً حمراء، وتنساق وراء ما يرضي الجمهور ويخدره ويعيد وجبته إليه لن يحدث التغيير الطموح مطلقاً. إن الإنتاج العربي المشترك، برؤوس الأموال الخليجية، الذي تطفح به الشاشات، يغدق بسخاء على الأزياء والماكياج والديكورات الفخمة، بطريقة تقدم للجمهور، الغارق في أزمة اقتصادية خانقة، ما يفتقر إليه. من دون أي اهتمام بأثر الفكر والمحتوى”

وعن أثر الدراما يوضح رافي وهبي أن “المشكلة اليوم ليست بوجود أعمال مثل الهيبة أو باب الحارة وهي أعمال تحقق مشاهدة واسعة في العالم العربي وتحافظ على بقائها، سواء الدراما السورية كصيغة أو نجومها وممثليها، إنما المشكلة بأن الانواع الأخرى من الأعمال لم يكن لديها فرصاً متساوية لتفرض حضورها بحيث يستطيع المتلقي اقامة محاكمة نقدية لجميع هذه الأعمال. المشكلة الحقيقية عندما يكون غالبية التوجه هو بالاتجاه التسويقي والترفيهي، في الوقت الذي تكون فيه الدراما الواقعية والتي تحمل مضامين قيمية محرومة كلياً أو حتى جزئياً من فرص الظهور والتواجد على الساحة. فعلى سبيل المثال استطاع مسلسل كسر عضم أن يقدم مقاربة ولو جزئية للواقع بينما يوجد أعمال كثيرة بعيدة كل البعد عن الواقع بل تبحث عن جذب المتلقي بأي طريقة لذلك فإن الاستسهال في مثل هذه الأعمال سوف يكرس بالضرورة قيماً سلبية كالعنف ضد المرأة والتخلف في المجتمع.”

ثالثاً: صورة المرأة في الدراما:

1-دراسات سابقة:

تعرضت بعض الدراسات البحثية العربية للسؤال عن انعكاس صورة المرأة في الدراما، وعملت على تحليل مضمون الدراما واستبيان آراء المشاهدين. من هذه الأبحاث: مكانة المرأة وصورتها في الدراما الكويتية – صورة المرأة في الدراما المدبلجة – معاينة أطر تنميط صورة المرأة في الدراما التلفزيونية العراقية – صورة المرأة السودانية في دراما التلفزيون – صورة المرأة المصرية في الدراما التلفزيونية – المرأة في الدراما العربية- أشكال تنميط صور النساء والرجال في الدراما التليفزيونية المقدمة خلال شهر رمضان

في حين وجد الباحث ثلاثة أبحاث مقدمة حول وضع وصورة المرأة في الدراما السورية على وجه الخصوص:

هي الأبحاث التالية:

– الصورة الاجتماعية للمرأة في الدراما السورية، محمد العمر، مجلة جامعة دمشق، 2003.

وقد خلص هذا البحث الذي اعتمد في منهجيته على استبيان آراء الجمهور، إلى نتائج متناقضة من قبيل: تقدم المسلسلات التلفزيونية السورية غالباً المرأة السورية بصورة جيدة، ومناسبة للواقع، ومتناسبة مع العادات والتقاليد والدين – أسلوب معالجة المسلسلات التلفزيونية السورية لقضايا المرأة هو أسلوب غير منطقي.

وخرج البحث بتوصيات متناقضة أيضاً من قبيل: تعميق صورة المرأة المنسجمة مع العادات والتقاليد – تحرير المرأة من القيود الاجتماعية والدينية، ومنحها الحرية التامة لتأخذ دورها الحقيقي في الحياة.

لم يتعرض البحث لموضوع تكريس العنف الممارس ضد المرأة في الدراما، أو الصورة النمطية التي تقدمها الدراما عن المرأة، بل عالج فرضيات مدى اهتمام الدراما بالمرأة المتزوجة / العاملة/ الريفية/ صورة المرأة في الدراما التاريخية ومدى واقعيتها.

-صورة المرأة العاملة في المسلسلات السورية الاجتماعية، هنادي بدر النونو، جامعة بلاد الشام، 2020. استخدمت الباحثة منهجية تحليل المضمون،

وقد خلص إلى النتائج التالية:

-1 تركز المسلسلات السورية الاجتماعية على فئة المرأة الناضجة أكثر من تركيزها على الفئات العمرية الأخرى.

-2 تهتم المسلسلات السورية الاجتماعية بالمرأة العاملة المتزوجة وتوضيح معاناتها للتوفيق بين عملها وواجباتها المنزلية.

-3تهتم المسلسلات السورية بالمرأة العاملة غير المحجبة.

-4 تركز المسلسلات السورية على المرأة غير المتزوجة مثل فئة الأخت والابنة.

-5 تركز المسلسلات السورية الاجتماعية على المرأة الأنيقة أكثر من فئات النساء الأخرى.

-6 تهتم المسلسلات السورية الاجتماعية بالمرأة التي تقيم في مناطق فخمة أكثر من البسيطة أو المتوسطة– صورة المرأة السورية في الدراما السورية، يسرى زريفة، 2009، كلية العلوم الإنسانية، قسم علم الاجتماع، تونس.

– صورة المرأة السورية في الدراما السورية، يسرى زريفة، 2009، كلية العلوم الإنسانية، قسم علم الاجتماع، تونس.

اعتمدت منهجية تحليل المضمون للتعرف على الصورة النمطية وقد خلصت إلى النتائج التالية:

•الاهتمام بمشاكل المرأة المنتمية للطبقة العليا.

•طغت الصورة النمطية التقليدية على القسم الأكبر من المسلسلات السورية والتي حصرت المرأة في زاوية الثلاثي (الأم – الزوجة –الأنثى)، فهي سيدة المطبخ والمهتمة ببطون العائلة من جانب، والمهتمة بعروض الأزياء من جهة ثانية، أي إنها شخص يتعلق بالشكليات وهي المرأة التي تفشل في أن تكون زوجة أو أماً نموذجية في حال خرجت للعمل والمشاركة المجتمعية.

ولا شك أن معظم الدراسات السابقة لا سيما منها الدراسات العربية والمصرية على الخصوص، أوضحت بشكل لا لبس فيه الانتهاكات الموجه ضد المرأة في الدراما والتي تعزز العنف وتجعله مستساغاً عبر عملية تكيف المشاهد معه بالإضافة إلى تكريس وصاية الرجل، وتكريس الصور النمطية حول الأدوار المناطة بالمرأة. كما لا بد من الاشارة إلى أن الدراما العربية اليوم هي دراما مفتوحة تؤثر بشكل مباشر على كل متابعيها وجمهورها نتيجة لتقارب الذهنية والثقافة في معظم مجتمعاتنا العربية.

الصورة النمطية

يأتي أصل مصطلح (Stereotype) من الكلمة الإغريقية (Stereos) والتي تعني “راسخ وقوي و(typos) والتي تعني “انطباع”. وبالتالي فمعناها الحرفي هو: انطباع قوي لفكرة/نظرية أو عدة أفكار/نظريات.

والصورة النمطية في علم النفس الاجتماعي تعرّف على أنها أي تعميم أو فكرة مُصدق عليها على نحو واسع، تجاه مجموعة من الأشخاص أو سلوك معين، غالبًا ما يكون مبني على العرق أو الديانة أو الجندر أو التوجه السياسي أو التوجه الجنسي، بعض هذه الصور النمطية يمكن أن يكون بها قدر من الصحة، والبعض الآخر يمكن أن يكون خاطئ. تهدف الصورة النمطية إلى حصر مجموعة كبيرة من السلوك والأشخاص في إطار واحد وتعميم صفات بعينها وربطها بهم.

يأتي مصدر الصور النمطية من التحيز و التمييز ضد فئة بعينها، وغالبًا ما يترتب عليها حرمان هذه الفئة من صلاحيات وحقوق تحظى بها المجموعة الأخرى.

من جهة أخرى يتم التفريق بين (الصور النمطية) و (التحيز) و (التمييز) بوصفها مصطلحات مختلفة لكنها مرتبطة. فتُرى الصور النمطية على أنها أكثر عنصر معرفي، ويحدث غالبًا بدون إدراك. أما التحيز فهو عنصر التأثر الناتج عن التنميط، والتمييز هو العنصر السلوكي الناتج عن التحيز وبالتالي، تعكس “الصور النمطية” التوقعات والمعتقدات حول صفات مجموعة مختلفة عن تلك التي ينتمي إليها.

أما “التحيز” فيصور رد الفعل الشعوري، ويشير “التمييز” إلى ردود الأفعال الناتجة عن هذا الشعور.

ويوجد عدة نتائج سلبية للصور النمطية، من بينها:

تبرير التمييز والجهل

العزوف عن إعادة التفكير حول المواقف والتصرفات المسيئة لمجموعة ما تم تنميطها.

منع مجموعة من الناس الذين تم تنميطهم من النجاح في مجالات معينة أو الحصول على حقوقهم كاملة.

وبشكل عام يعتبر التنميط سبباً أساسياً للتمييز ضد النساء وعاملاً مساهماً في الانتهاكات لمجموعة كبيرة من الحقوق، مثل الحق في العمل وحرية التعبير والمشاركة السياسية والمجتمعية.

أشكال وأساليب تنميط المرأة في الدراما:

شكلت صورة المرأة في الدراما التلفزيونية والأفلام جدلية متصاعدة لاسيما في السنوات الأخيرة بسبب تفاوت صورتها بين عمل وآخر، حيث تلجأ الدراما كما هو حال جميع الفنون إلى تضخيم الواقع وتضخيم التفاصيل الثقافية مثل الصور النمطية السلبية عن الانوثة والذكورة وأشكال العلاقات، وتتحدث الكاتبة والباحثة الاجتماعية جيهان أبو زيد: ” أن الدراما تبقي على شكل العلاقات النمطية بسلبياتها وتكرسها، ولا تلعب دور التمرد عليه، وفي حين يدّعي صناع الدراما أنهم بعكسون الواقع ولكن في الحقيقة فانهم يتماهون مع هذا الواقع بأسوأ أشكاله”

وإن ما يمكن ملاحظته هو توجه صناعة الدراما إلى التعاطي مع المرأة بطريقة تمييزية والتي تظهر في عدة أشكال وأساليب رئيسة:

الاستثمار الجسدي للمرأة: على حساب القيمة الإنسانية الأساسية من خلال عملية التسليع ( تحويل المرأة إلى سلعة) وتقديمها كمادة تسويقية جاذبة للمشاهدين، ومربحة لشركات الإنتاج، إذ قامت الدراما باستعمال جسد المرأة سواء في الإعلام أو في الفن الدرامي التلفزيوني والسينمائي كأداة جذب وعامل تسويقي لدرجة أن زمن الصورة استطاع لحد ما بحسب المراقبين تدمير قيمة المرأة الحقيقية. وبات النموذج الذي يتم تكريسه لما يجب أن تكون عليه صورة المرأة مختزلاً بقوام رشيق ومقاييس جسدية معينة، وأنوثة في سياق الإيحاءات الجنسية المباشرة وهو بمطلق الأحوال لا يقدم صورة حقيقية للمرأة في المجتمع ولا يظهر كينونتها كأنثى، و كفرد من أفراد المجتمع، ويظهر ذلك جلياً على سبيل المثال في معايير اختيار دور البطولة النسائية للمسلسلات الدرامية الذي ليست الموهبة الفنية هي المعيار الأهم فيه. وفي هذا السياق تشير إحدى المتابعات للدراما السورية في لقاء معها، أن الدراما السورية تهمل تماماً المرأة المحجبة وتهميشها، ولا تظهرها بمظهر الفتاة الناجحة والقادرة على تحقيق تغيير أو أثر في المجتمع. ولا نراها أبداً بدور بطولة كنموذج إيجابي.

تكريس الأدوار الجندرية: للمرأة وحصرها في قوالب جاهزة وتصورات ذهنية مسبقة، إما كامرأة ضعيفة وتابعة للرجل تتمحور حياتها حوله وحول شروط ومتطلبات مجتمعه الذكوري، بحيث يكون عليها الإيفاء بمتطلبات هذا المجتمع من دون أن تملك قرارها الشخصي الحر المعبر عنها وعن رغباتها وطموحاتها : حيث يعتبر الخروج عن هذه القوالب خروجا عن الأخلاق والقيم المجتمعية يستوجب الإدانة والعقاب، و يفسح المجال من جهة أخرى أمام المجتمع لتقبل فكرة هذا العقاب باعتباره نتيجة منطقية، وذلك من خلال مشاهد العنف (اللفظي والجسدي) والانتهاكات التي يكثر حضورها في المسلسلات التلفزيونية. بحيث تكرس الدراما مفهوم أن الام الجيدة والمضحية هي الزوجة المطيعة التي تلبي رغبات زوجها، بوصفها المثال الإيجابي الذي يجب أن يحتذى، أما المرأة المستقلة القوية غير المعتمدة على رجل ( زوج أو أب أو أخ) فغالباً ما تقدم كشخصية انتهازية وصولية متعددة العلاقات وأم غير صالحة تتعرض للتحرش أو تقع في متاعب كثيرة بحيث يكون السبب وراء كل ذلك هو استقلالها واختيارها أسلوب حياة بعيد عن الصورة النمطية التي تقدمها الدراما.

الصورة السلبية للمرأة المستقلة: حيث يتم اظهار هذه الاستقلالية أما كفعل مدان وسببا في انحراف المرأة أو الفتاة أو كفعل مستغرب وغير طبيعي يستوجب الاضاءة عليه من خلال توليفة درامية يقدمها صناع المسلسلات، تُظهر النساء عامةً، والمستقلات منهنَّ خاصةً، في قالب نمطي مكرر، فلا يقتصر الأمر على تسليط الضوء بطريقة مستهجنة على حالة يفترض بها أن تكون طبيعية لفتاة تغادر منزل عائلتها بهدف تحقيق استقلاليتها وحسب ، بل يتم في كثير من هذه الحالات توجيه اتهامات للنساء المستقلات ووسمهن بصفات سلبية، فهي إما انتهازية و وصولية، أو ساذجة يسهل استغلالها، أو تضطر لممارسة أعمال غير أخلاقية.

تغزو هذه الصور وغيرها من الصور النمطية المُستهلَكة للمرأة عالم الدراما، في غياب واضح لإظهار أي صفات طبيعية للأنثى وأي قدرة لها على أن تعيش تجارب إنسانيّة عادية، وإنكار أي قدرة لها على التصرف بشكل سليم من تلقاء نفسها، فتُظهر الأعمال الدرامية أنه لا رادع للأنثى غير تواجد الأهل بقربها، وضرورة تدخلهم بكل ما يخصها، وأنه لا بديل عن وجود رجل هو مصدر حمايتها. بالإضافة إلى غياب واضح لاحترام أي مساحة شخصية بديهية لأي إنسان مهما كان جنسه، إذ تكاد تخلو الشاشة الصغيرة من أي ظهور نسوي طبيعي، ومن أي محاولات لطرح درامي يسعى إلى تقديم الحلول ولعلاج القضايا الواقعية التي تواجه المرأة بعيداً عن النماذج التجارية المستهلكة التي تحاكي ذكورية المجتمع الأبوي.

مستوى الوعي على أسس جندرية: اعتادت الدراما السورية طوال عقود على تصدير صورة عن المرأة بأنها تؤمن بالخرافة و تلجأ للمشعوذين والسحرة لحل أمورها العالقة. أو التبصير بالفنجان أو غيرها من السلوكيات التي ارتبطت بشكل وثيق بالمرأة في الدراما التلفزيونية، إذ يتم تقديمه كسلوك عام لدى جميع النساء. بينما لا تصدّر الدراما الصورة ذاتها عن الرجل، بل غالباً ما تقدمه كنقيض لها. أي يمتلك من الصفات العقلانية والمنطقية ما يميزه عن النساء المنمطات بقوالب العاطفة والضعف وقلة العقل أحياناً. وهنا تكرس الدراما التصورات الجندرية الخاطئة التي توزع الصفات الانسانية الطبيعية كالذكاء و العقلانية والعاطفة والحنان على أساس الجنس والنوع الاجتماعي.

تشير الاعلامية نسرين طرابلسي أن “الدراما قدمت قصصاً وأنماطاً من واقع نمطي، وصورت المرأة دوماً خاضعة لظروف المجتمع ومحجوزة في قوالبه الجاهزة وأي خروج لها عنها يؤدي إلى عواقب وخيمة. بهدف تشجيع النساء والرجال على الجمود لتوخي السلامة. وبينما نرى عالم صناعة الدراما ينهض ويواكب القضايا التحررية العالمية مثل حركة “أنا أيضاً” وحركة “حياة السود مهمة” و “مجتمع الميم” بطريقة مكثفة ومدروسة. وتأخذ المرأة دورها القيادي في مختلف الأعمال لتخفيف حدة الذكورية المسيطرة حتى في أعمال الفانتازيا مثل “صراع العروش” فتبدو كل النساء بشخصية قوية، محاربة، وفاعلة. وفي أعمال شعبية مثل “دار صك العملة” فتمسك قيادة التحقيق امرأة وفي الجزء الثاني امرأة حامل. وفي مسلسلات تحقيقات الشرطة مسلسل “جريمة” الذي أنتجت أجزاء منه في بريطانيا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، تبرز المرأة وقادة الذهن في كشف الحقيقة وقيادة العدالة.

لكن في الأعمال السورية مازالت المرأة خاضعة للمجتمع معرضة للهجوم والانتهاك في الشارع وفي المنزل وفي أماكن العمل، تضرب بأريحية وكأن الضرب أمر مفروغ منه. وتتحمل كل الانتهاكات المجتمعية في شخصها وحياتها. مثل مسلسل “ورود في تربة مالحة” وتتعرض للتحرش ويصور التحرش اللفظي كجزء من الكوميديا مثل مسلسل “أبو جانتي” والتحرش الجسدي كجزء من مقدمات الحب والعلاقات. وتظلم وتسجن وتتعرض للتعذيب مثل مسلسل “قلم حمرة”. الابنة تباع وتشترى من قبل الأب في مسلسل “مع وقف التنفيذ” والأم تتحمل المسؤولية كاملة إن لم تكن هي أصلا مساعدة على ارتكاب الأخطاء. ناهيك عن الأعمال التي تحمل مسمى البيئة الشامية والتي نجد فيها النساء محشورات جاهلات في البيت تحت سلطة ذكورية مطلقة وليس لهن إلا القيل والقال والحاضر وتنفيذ الأوامر. وهو أمر يخالف الواقع التاريخي بفجاجة استمرت أكثر من أحد عشر جزءاً من العمل الهابط الذي انتشر على الشاشات العربية لمدة تناهز العشر سنوات. والأمثلة لا تعد ولا تحصى.”

وفي هذا السياق يقول الناقد جلال سيريس: ” كان موضوع اضطهاد المرأة في الدراما السورية لا يحظى بهذا الزخم الكبير، فقد كانت المرأة تظهر بشكل طبيعي أقرب إلى الواقع، المرأة العادية التي لا يختلف دورها في المجتمع أحيانا عن الرجل ( مثل شخصية فطوم في مسلسل صح النوم الذي يقدمها بصورة فاعلة كمرأة عاملة ومنتجة وهي الآمرة الناهية ) كما يجد الناقد سيريس أمثلة قريبة زمنيا عن تقديم المرأة بصورة طبيعية و واقعية مثل مسلسل قلم حمرة للكاتبة يم مشهدي واخراج حاتم علي حيث صور المرأة السورية القوية التي ليس لديها هاجس الزواج ولديها امكانية العيش وتربية أولادها من دون الحاجة إلى وجود ذكر وهذا صحيح – يضيف سيريس- وموجود في كثير من أمثلة الحياة ويظهر ذلك من خلال الشخصية التي لعبتها كاريس بشار في المسلسل “

ويشير رافي وهبي في إجابته عن سؤال صورة المرأة بالدراما السورية إلى أنه “يوجد عدد من الكاتبات في مقدمتهن ريم حنا من اللواتي استطعن تقديم نماذج من الشخصيات النسائية في أعمالهن، وقد تناولت هذه الأعمال واقع ومشاكل المرأة بطرق مختلفة ومنفتحة، وطرحت قضايا نسوية وجندرية، ومنها عدة أعمال من إنتاج التلفزيون السوري، ولاحقاً من إنتاج القطاع الخاص وهذا ليس حكراً على أعمال كتبتها نساء، وإنما أيضا يوجد أعمال لكتاب أمثال نجيب نصير وحسن سامي يوسف تقدم وجهاً مختلفا للمرأة بوصفها صاحبة حقوق محرومة من ممارسة جزء كبير منها، وبوصفها مناضلة ومثقفة. كذلك قدمت الشخصيات النسائية الريفية القوية التي تعتبر عماد الأسر في الريف.

ويميز وهبي بين فترتين من الدراما السورية حيث “لغاية 2010 كانت الأعمال المنصفة متوفرة وحاضرة لكن فيما بعد دخلت المعايير التسويقية على حساب المعايير القيمية والفنية. من بعد 2010 بدأت النصوص المقدمة تفقد علاقتها بالواقع وبدأت تبحث عن الترفيه والتسلية بعيداً عن أي ارتباط جدي وعميق مع الواقع، وبدأت الدراما تقدم تنازلات لها علاقة بنقاط جذب المتلقي ما يجعل مستواها ينحدر على مستوى الشكل والمضمون بآن معا ليصبح التركيز أكبر على الجوانب الشكلية مثل اللباس والإيحاءات الجنسية وتعويم التهريج كنوع من اعتقاد الصانع بأنها الأدوات القادرة على تحقيق النجاح والربح والاستمرارية. وهنا لا يمكن تحميل المسؤولية إلى طرف واحد فهناك أيضا العقلية الانتاجية التي تخشى من أي طرح إشكالي والاكتفاء بالمستوى الترفيهي فقط وهذه الذهنية تنسحب على مستوى النص والإخراج وعلى مستوى اختيار الممثلين والممثلات.”

تكريس العنف

إن التنميط القائم على اختلاف النوع الاجتماعي والمنحاز ضد النساء يفتح الباب أمام تبرير العنف ضد المرأة من جهة و التحريض عليه من جهة أخرى كنوع من محاكاة لصورة الرجل الذي يمارس العنف ضد المرأة والذي تقدمه الدراما على هيئة بطل المسلسل الوسيم والشجاع و الذكي و صاحب الأخلاق من دون أن يشار إلى أن ما يرتكبه هو انتهاك أو جريمة بل أن ما يفعله هو ما يجب فعله.

لقد حاولت بعض الأعمال الدرامية أن تقدم صورة المرأة المضطهدة التي تتعرض لعنف قادم من ذهنية ذكورية في محاولة لرفضه والحث على تغيير هذا السلوك العنفي ضد النساء والفتيات منها أعمال رشا شربتجي (زمن العار، غزلان في غابة الذئاب، ورجال تحت الطربوش وآخرها مسلسل كسر عظم الذي عرض في موسم 2022 . وهي من الأعمال التي طرحت قضايا نساء يتعرضن للتعنيف والظلم والتهميش وما نجم عن ذلك العنف من آثار سلبية على المرأة و المجتمع كنوع من ارسال تحذيرات وتنبيه لضرورة وقف هذه الانتهاكات. إلا أن تلك المسلسلات وقعت في مطبات عديدة عندما أغفلت دور القوانين التمييزية الظالمة للمرأة والبنية السياسية والتشريعية للدولة التي تساند هذا العنف وتشجع عليه/ كما أنها أغفلت جانبا هاماً هو امكانية لجوء المرأة إلى القضاء في حالات كثيرة ولم تقدم حلولاً أو اقتراحات بديلة للتدخل بل اكتفت بتصوير ما هو حاصل فعلاً، وما هو واقع من ظلم. الأمر الذي يكرس بدوره ضعف النساء وعجزهن عن أخذ حقوقهن وبالتالي استمرار حلقة العنف ذاتها.

وإن كانت موجة مسلسلات ما يسمى (البيئة الشامية ) التي بدأت مطلع التسعينات قد قدمت النموذج الأسوأ لصورة المرأة السورية، وصورتها كفرد لا يمتلك أدنى مقومات الحرية والمسؤولية بل ينحصر دورها في الأعمال المنزلية وتقديم الطاعة الكاملة للزوج، فإن الحال لم يختلف كثيراً من حيث المضمون والرسائل المقدمة مع المسلسلات التي يمكن تسميتها بالعصرية ( تحاكي العصر الراهن) فلا تزال ذهنية التنميط القائم على اختلاف النوع الاجتماعي قائمة ومن النادر أن نجد عملاً دراميا يخلو منها فالاستثناءات في هذا المجال قليلة وتعد على الأصابع ولكن ورغم أهميتها إلا أنها لم تستطع أن تحدث فرقاً لصالح المرأة، حيث لا تزال السمة العامة للدراما التلفزيونية يغلب عليها نسقا متشابها في طريقة تناولها لقضايا المرأة، ولا تزال مشاهد العنف ضد النساء بمختلف أشكاله تعرض بشكل اعتيادي كنوع من محاكاة أمثلة واقعية لما تتعرض له النساء في مجتمعاتنا ولكن من دون أية معالجة نقدية لهذه الظاهرة بل في معظم الحالات يكون هذا العنف مبرراً وتُحمّل المرأة ذاتها وزره.

ومن هذه الزاوية يرى رافي وهبي أن “الواقعية تقتضي أن تعكس الدراما جزءاً من طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة وهذه العلاقة بالعالم العربي عموماً تحمل هذا النمط من العنف، إنما يبرز هنا وعي القائمين على هذه الأعمال في معالجة هذه المسألة بحيث أن عكس العلاقة بين الرجل والمرأة هو جانب مهم ولكن هناك جانب آخر مهم، وهو كيف تعالج هذه العلاقة؟ وكيف تقدم هذه المعالجة بطريقة فنية؟ وتدين في المحصلة هذا السلوك عبر رسم مصائر الشخصيات واقدارها وتحولاتها. ويضيف وهبي ربما استطاعت الدراما أحياناً أن تنجح في إدانة هذا العنف، لكن بأعمال أخرى كانت تكرس مفهوم المرأة المطيعة والضعيفة، مع العلم بأن العنف يمارس على كافة شرائح المجتمع دون استثناء لذلك لا يمكن معالجة قضية العنف ضد المرأة بمعزل عن العنف الواقع على الرجل أيضاً، إذ أصبح العنف جزءاً من سياق عام يجعل من الرجل ضحية تبحث عن ضحية لتمرير العنف الواقع عليه”. وفي السؤال عن أسباب هذا الخلل في طرح القضايا الاجتماعية المتعلقة بالمرأة تقول الكاتبة والناشطة ريما فليحان ” يجب أن يحمل كتاب وكاتبات السيناريو وعيا كافياً بقضايا النساء وأن يكون هناك مراجعة نقدية من منظور اجتماعي ونقاشات مستمرة لكن هذا لا يحدث للأسف إلا نادراً فهناك بعض الكتاب يحملون ثقافة ذكورية وهناك آخرون يطرحون القضايا من دون وعي بالطريقة الصحيحة لإرسال الرسائل الاجتماعية بشكل صحيح خاصة ضمن الشخصيات الرئيسية التي يحبها المشاهد، ولكنها تمارس العنف بدروها، أو من خلال تصوير النساء أما ضعيفات أو تابعات أو حاملات لدور الشر.”

وحول ابتعاد الدراما عن التطرق إلى ملفات هامة ومنها المشاركة السياسية والمدنية للمرأة، وعلاقة سوق الإنتاج الفني مع السلطة في سوريا تضيف فليحان: ” هناك تواطؤ غير مباشر بسبب تلاقي المصالح، وفي الوقت نفسه هناك قيود رقابية حيث تخضع الأعمال الدرامية داخل سوريا لسلطة الرقابة والقيود الامنية، بحيث تفاضل هذه الشركات بين رواج الأعمال والتسويق، وبين الحامل الفكري، وبالتأكيد سوف ينتصر الرواج والتسويق. أما خارج سوريا فهناك جهات خارجية تنتج أعمالاً درامية سورية يهمها فقط التسويق والرواج وبعضها لديه توجهات معينة تفضل أن تنتج ما يناسبها.”المرأة والكوميديا.

المرأة والكوميديا

تعتبر الكوميديا أحد الأدوات المهمة في النقد، عبر التهكم والسخرية من الأفكار أو من الشخصيات التي تمثلها. لا سيما في ظل هيمنة السلطة وأدواتها. ولكن ألا يحق لنا التساؤل اليوم عن جدوى الكوميديا في النهوض أو التغيير المنشود، أليست الكوميديا سيف ذو حدين بحيث أصبحنا نضحك على مآسينا وبالوقت ذاته تتعامل السلطة مع الكوميديا بوصفها أداة للتفريغ أو التنفيس الانفعالي وبالتالي فهي تستثمر بها؟. توجه الباحث بهذا السؤال إلى الكاتب ممدوح حمادة. والذي أجاب بأنه “مع الأسف في وضعنا الراهن تستخدم كلمة التنفيس والتفريغ في وصف جميع الأعمال الكوميدية ضمن المعركة السياسية مع النظام وهذا بطبيعة الحال غير صحيح الكوميديا التنفيسية واضحة المعالم فهي الوقت الذي تقدم لك فيها جرعة من النقد تقوم في قفلة الحبكة بتقديم حل من نوع ما يجعل المشاهد مرتاحا كأن يقدم العمل الفني أغنية وطنية تجعل الجمهور يغرق في التصفيق أو تجل الأحداث تبتعد عن الحل الجذري أما الكوميديا التي تحتوي على التحريض فهي ليست تفريغية أبدا، وهناك الكثير من الأعمال التي ينطبق عليها هذا الكلام، وأغلب هذه الأعمال هي ليست ضحكاً على المآسي، بل تندرج ضمن تصنيف الكوميديا السوداء التي تتناول المشاكل، في محاولة للالتفاف على الرقيب. والدراما كوميديا أو غير كوميديا لا تستطيع القيام بفعل التغيير، إنما هي عامل من جملة عوامل مجتمعة تقوم بعملية التغيير.

ويعتبر حمادة كواحد من كتاب الكوميديا السوريين، والذي قدم العديد من الأعمال الناجحة ومنها عملان كان لهما حضوراً ملفتا ومختلفاً ومتابعة واسعة لا تزال مستمرة إلى اليوم: (ضيعة ضايعة-الخربة) وقد صور في هذين العملين الواقع الذي تعيشه المرأة بقالب كوميدي وبطريقة المبالغة في رسم الشخصيات. ومن خلال سؤاله: هل برأيك أن هذا النوع من الأعمال يساهم في تكريس الصورة النمطية عن المرأة، أو يشجع على العنف ضدها. ( العنف اللفظي على الأقل) أم أن هذا النقد وهذه الالية في طرح القضية يساهم في لفت النظر إليها و يساعد في محاولة تغييرها نحو الأفضل؟ يجيب حمادة: في جميع أعمالي قدمت المرأة بشكلين، في أحد هذين الشكلين قدمت المرأة بشكل يثبت أنها كفؤ وعنصر فاعل في المجتمع ليس بأقل من الرجل وفي أحدهما أشرت إلى مشاكل المجتمع. في بعض الأحيان تم تشويه الموضوع من قبل الشركاء في العمل، في بعض الأعمال التي أشرت إليها عدة مرات في السابق كما أشرت الى نماذج من الرجال في علاقتها مع المرأة سلبية كانت أم إيجابية في هذا الموضوع يفرض الواقع عليك طرح بعض التفاصيل التي لا تحبذها ولكنها موجودة، ولكنني في كل أعمالي كنت متحيزاً للمرأة.

وحول هذا الموضوع يرى الكاتب والمخرج رافي وهبي أن هناك ما يشبه لعبة تمارسها الكوميديا بحيث انها تنتقد الفساد والمظاهر السلبية، إنما طريقة التناول بالمجمل هي طريقة هزلية ومجاملة وغالباً تحمل نهايات تصالحية بحيث تؤدي جزء من المهمة المطلوبة مع المتلقي والجزء الآخر مع السلطة السياسية. وعلى المستوى الشخصي أنا متابع منذ الطفولة أعمال دريد لحام الناقدة وكان دوماً لدي ذلك التساؤل هل حقاً الفن يخدم السلطة وتوجهاتها السياسية بينما يعتقد صناع الفن بأنهم يفعلون العكس؟ أم هناك نوع من المعايشة بأنه قادر أن يقدم عمل فني لكن ضمن حدود الرقابة؟ وهذا عايشته بتجربتي في بقعة ضوء من خلال التشديد الكبير لمنع تمرير أية رسائل معاكسة للتوجهات العامة في البلد ( مع ذلك كان يتم تمرير بعض اللوحات التي أثارت حفيظة الأجهزة الأمنية مثل لوحة لمين الشبح أو لوحة طموح عن طفل يتمنى أن يصبح رئيس جمهورية) وتكرر في عدة مناسبات الاحتكاك مع الأجهزة الأمنية وبعض الحلقات يمنع عرضها، وبالنسبة لي فقد اضطررت إلى الانسحاب من هذه التجربة بعد أن طلب منى كتابة لوحات مهادنة تخدم توجهات السلطة. وهنا لابد من التنويه بأن المسار الشخصي للفنان ووعيه الثقافي والسياسي سواء كاتب أو مخرج أو ممثل أو أي مجال فني آخر، يلعب الدور الأهم في طريقة تعاطيه مع العمل الفني المقدم.. بالنسبة لي مثلاً فقد غيرت تجربة مشاركتي في مسلسل الخربة وجهة نظري في الكوميديا برمتها عن كل ما قدم من 2012 إلى اليوم بمعنى هل لا يزال الشعب السوري اليوم قادراً على الضحك على مآسيه؟

وبغض النظر عن رأيي الشخصي فإن الأعمال الكوميدية التي قدمت منذ منتصف التسعينات لغاية 2010 استطاعت أن تنشر الدراما السورية وتقدم نجوم سوريين إلى العالم العربي وهذا يعتبر ايجابياً فيما لو استطعنا استثماره بالشكل المطلوب.

خلاصات ونتائج

لم تكن السلطة السياسية منذ مطلع الالفية بعيدة عن سوق الدراما، الذي ازدهر خلال سنوات قليلة محققاً أرباحا كبيرة، فقد كانت كبرى شركات الانتاج الفني بعد العام 2000 تعود ملكيتها الحقيقية لمسؤولين بارزين في الدولة أو مقربين منهم.

مثال: شركة الشام الدولية للإنتاج السينمائي والتلفزيوني (عبد الحليم خدام )- سوريا الدولية للإنتاج. الفني (محمد حمشو).بعد العام 2011 شهدت الدراما السورية انحداراً واضحا على المستوى الفني من حيث الإخراج والسيناريو وعلى المستوى الموضوعي لجهة المضمون الذي تقدمه الأعمال الفنية والتي ارتبطت منذ وقت طويل بالموسم الرمضاني ما كرس السمة التجارية والمعايير التسويقية بشكل واضح وجلي.

هذا الانحدار لم يكن بعيداً عن السياق السياسي الذي شهدته سوريا بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية وما رافقه من انهيار في مؤسسات الدولة خلال السنوات القليلة اللاحقة وهجرة الكوادر الفنية مخرجين وممثلين فضلاً عن ازدياد قوة القبضة الأمنية، وتفعيل دور الرقابة بشكل كبير.

يعتبر رأس المال الداعم للإنتاج الفني من جهة، وضرورة تعميق الخبرات والمعارف من جهة أخرى، من أهم العناصر التي تسمح للدراما السورية باستعادة مكانتها الفنية، وإعادة تبنيها للقضايا المجتمعية الحقيقية ومنها قضايا المرأة والشباب والفئات المهمشة.

يتوضح عدم اكتراث شركات الإنتاج الفني لأي دور توعوي يمكن أن تحمله الدراما. فالجهات المنتجة تكرس نمطاً تجارياً لا يكترث فعليا بالدور التوعوي الذي يمكن أن تحمله الدراماكثير من الأعمال التي تنتج اليوم محكومة بالأجندة السياسية وانعدام مساحة الحرية،يواجه الفنانون/ات خارج سوريا تحد كبير في إيجاد فرص إنتاج حقيقية.

هناك تجاهل كبير لقضايا وحقوق المرأة في الدراما السورية، وهي غالباً ما تتعرض للمشكلات بطريق سطحية تسخيفية، ولا تقوم بدورها الأصيل والنقدي، ولا بإرسال رسائل مؤثرة وإيجابية تخاطب الوعي العام .ندرة المسلسلات التلفزيونية التي تتبنى قضايا اجتماعية نسائية.تعمق الدراما اليوم اللامساواة، وتمررها وتجعلها مقبولة عبر مرجعيات ثقافية دينية أو أعراف وتقاليد مما يكرس قبول الإنسان للأمر الواقع.

توصيات:

ضرورة إقامة ورشات عمل كتابية واخراجية بهدف جمع المواهب مع الخبرات، وتفعيل دور الشباب في هذا المجال، داخل سوريا وخارجها، لاسيما وأن هناك عدداً كبيراً من الخريجين موجودين في أوروبا ومصر والخليج.

العمل على خلق آليات من أجل التشبيك مع المؤسسات الثقافية المانحة لزيادة فرص الوصول أمام الفنانين/ات الشباب لدعم المشاريع الثقافية الفنية تفعيل دور الإعلام المدني في الاحتجاج وعدم السكوت على الأدوار السلبية التي تقوم بها الدراما التلفزيونية، ورصد الانتهاكات بحق المرأة من خلال الأبحاث والمقالات والدراسات النقدية دعم مبادرات منظمات المجتمع المدني المهتمة بقضايا المرأة والفرق النسوية من اجل اطلاق حملات حشد ومناصرة طويلة الأمد، تهدف إلى تصحيح الصورة النمطية التي تكرسها الدراما التلفزيونية السورية دعم المشاريع الثقافية المتخصصة بالنقد الفني للأعمال الدرامية السورية.

التشبيك مع منظمات العمل المدني محليا واقليميا لتنفيذ حملات مقاطعة على مواقع التواصل الاجتماعي للأعمال الدرامية التي ترتكب انتهاكات بحق المرأة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »