العدد الرابع و العشرين ..النصف الثاني من شهر يناير كانون الثاني من عام ٢٠٢٤..العنف المعنوي للمرأة و تعدد الزوجات

يدافع اليوم الكثيرين في المجتمعات الإسلامية عن حق الرجل بتعدد الزوجات معتبرين أنه، حق مكتسب للرجل ويضيفون بأنه حق شرعي مستمدين حجتهم من كون الرسول كان في عصره متزوج من عدة نساء في آن واحد وكان هذا من ١٤٠٠ عام، وكذلك من كون الأجداد في كافة الخلافات الإسلامية سلفًا عاشوا بذات الطريقة الاجتماعية. لكن تعدد الزوجات تاريخيا لم يكن حكرًا على المسلمين كانت الأسرة مختلفة عما نعرفه اليوم وكانوا يعيشون بطرق متخلفة عن عصرنا في كل الأديان، وكانت في غابر العصور المرأة مضطهدة في كل مكان.

أين العنف في مسألة تعدد الزوجات يتساءل البعض؟

في الواقع تعتبر حالة تعدد الزوجات في الغرب من ضمن حالات العنف الممارس ضد المرأة. فالعنف ليس مصنف جسديًا فقط، هناك أيضًا نوع آخر من العنف بذات الأهمية وهو العنف المعنوي وهذا الأخير بات اليوم مجرم قانونيًا في كثير من الدول.

القهر والظلم والاضطهاد هم هذا العنف المعنوي المجرم، وهو بالتحديد ما تشعر به المرأة التي يقرر زوجها ذات صباح بأنها لم تعد تكفي لإشباع رغباته وبأنه يحتاج لخيانتها علنًا، مستندًا على حجة الدين. معلنًا لها بوضوح بأن هذا الزواج لم يكن مبني يومًا على أي توازن أو ندية. ببساطة هو يحق له أن يهينها علنًا معتبراً، ربما، بأن المرأة لا مشاعر لها ولا رغبات مثله.

لقد أثبتت الدراسات بأن المرأة المعنية بالعنف الأسري في كافة المجتمعات، تنكر ضرب زوجها لها لكي لا يعلم أحد بأنها تهان. فالإهانة تصبح أكبر عندما تصبح على العلن. وأفادت ذات الأبحاث بأن المرأة المعنية كثيرًا ما تستمر بالنكران لكي تحفظ كرامتها أمام الناس. وبذات السياق كثيرًا ما تفضل بعض النساء في المجتمعات التي تسمح بتعدد الزوجات غض النظر عن خيانة الزوج خوفًا من أن يتزوج بثانية ففي الأمر إهانة مضاعفة.

في المجتمعات الفقيرة والشعبية في أغلب الحالات لا تكون المرأة مخيرة بأن تقبل او ترفض قرار زوجها بالزواج، إذ لا أحد يسمح لها بالرحيل والعيش بكرامتها بعيدًا مطلقة مع أبناءها، وقبل هذا لا يسمح لها بالعمل والاستقلال المادي فهي تربى على عدم الاستقلال وليس زوجها بمفرده من يمنعها من التمرد بل يقف معه ضدها الجميع، المجتمع بأسره.التي يتم اغتيالها في هذه الأجواء في الحقيقة هي الأسرة. الرجل الذي يفتح عدة بيوت ويجمع بين عدة زوجات وينجب من كل واحدة لا يقل عن خمسة أطفال هو بهذا يمارس أكبر أنواع العنف تجاه الأسر التي يخونها مع أسر أخرى ويهملها. إن تعدد الزوجات فيه عنف نفسي وتهديم للأسرة.

لنعي أكثر حجم الظلم الواقع على المرأة لا بد أن نشير أن هذا النمط من الحياة الزوجية التعددية لم يكن يومًا ضمن أحلامها ولا يمكن أن يكون من أحلام أحد .. فمن من الصبايا حلمت يومًا بأن تكون زوجة ثانية أو ثالثة؟.

في المخيلات الشعبية للجماهير في كل مكان من هذا العالم على اختلافه، كان وما زال هناك صورة نمطية شبه موحدة، تشكلت على مدى العصور عبر الروايات الشعبية لكل الشعوب عل اختلاف ثقافاتهم وكانت هناك قصص شعبية متداولة محليًا حتى قبل الأفلام والمسلسلات. كلها كانت تصور الحب بين رجل واحد وامرأة واحدة. عنتر وعبلة، روميو وجولييت، قيس وليلى وغيرهم كلهم رجال أحبوا امرأة واحدة وكل فتاة تحلم بأن تكون تلك المحبوبة أي أميرة رجل واحد لا جارية في حريمه.

بالتالي الحب هو شعور أحادي، في كافة الدراسات العلمية أثبت أنه لا يوجد سايكولوجياً إمكانية لرجل ما أن يحب اثنتين أو ثلاث في آن واحد، والأهم أن كل الكتب الدينية بما فيهم القرآن تقر بأن للمرأة أحاسيس ومشاعر تمامًا كالرجل. وبالتالي حين يقرر رجل ما الزواج من عدة نساء، هو هنا إما كاذب بمشاعره نحوهن وخائن للعهد أو ظالم لهن مجتمعات، وفي كل الحالات هو يخدش مفهوماً أخلاقياً ما وبالتالي ديني لارتباط المنظومتين ببعض. حيث كافة الأديان تمنع الكذب والظلم وتردع الغرائز، ولكن لنكون منصفين لا بد من التمييز جديًا بين رجال الدين والدين في كافة الأديان. فلا يوجد دين يكرس الظلم.

يفكر البعض في الغرب أن مسألة تعدد الزوجات هي من الخصوصيات الثقافية للمجتمعات المسلمة كونها غير ممنوعة في أغلب البلدان الإسلامية. لكنها في الواقع ظاهرة مرضية منتشرة في أماكن الجهل والفقر والحروب والمجاعات والأمراض الاجتماعية. في أفريقيا الفقيرة المسيحية قرر بعض رجال الدين المسيحيين بتشريع حق تعدد الزوجات لكي لا يضطر المسيحي لأن يغير دينه. وشرع بعض رجال الدين اليهود في إسرائيل ذات الحق للرجل فمنذ عدة أعوام تحدث الإعلام عن الحاخام شلومو عمار الذي قال إنه اقتنع بتشريع تعدد الزوجات بهدف تحسين الميزان الديموغرافي لليهود معتبرًا بأن الأمر سياسي لكون اليهود يخوضون حرب ديمغرافية مع المسلمين الفلسطينيين، وهذا اعتبر حينها “اجتهادا فقهيا” مغايرا عما انتهجه الدين اليهودي بعد تطوره ومناقضاً للقوانين الإسرائيلية التي تمنع تعدد الزوجات.

يستمد الرجل سلطته و مميزاته بحجة دينية.. ولكن الحجة في العمق ليست دينية بل كثيرًا ما تكون سياسية بحتة. لكي تقنع داعش مثلا مقاتليها بالانضمام لحربها ضد العالم حللت لهم تعدد الزوجات، وكذلك الحال لدى مجتمع تجار المخدرات في الطبقات الشعبية في سوريا ولبنان والعراق وغيرها. الدين يصبح دكاناً لبيع الملذات الممنوعة أخلاقيًا فيباح باسمه المحظور.

فقهاء مسلمين عدة ورجال دين منهم شيخ الأزهر أقروا مستشهدين بنصوص دينية بأن الإسلام لا يبيح تعدد الزوجات بدون قيود بل فيما يتعلق بالدين الإسلامي بالذات هناك شروط تعجيزية لا يتطرق لها أحد ممن يبيحون التعدد.

وللأسف الشديد فيما يخص الدين الإسلامي هناك خلط ظالم ما بين النص والممارسات وهناك ضعف شديد لدى المصلحين ليكاد يكون الدين أبعد ما يكون عن اتباعه المخدرين بخطابات شعبوية خطيرة ومدمرة للبشرية وربما يكون الدين المسيحي أوفر حظًا إذ أن هناك مرجعية موحدة بهرمية تكمن بسلطة الفاتيكان والبابا.

اليوم بابا الفاتيكان يطرح قضايا حداثية لم يكن من الممكن أن يناقشها أي رجل دين في العصور الماضية. هو عمليًا لا يملك أي سلطة قانونية وتشريعية قادرة على أن تفرض ما يعترف أو ما لا يعترف به كممثل للكنيسة وكثيرا ما يتعارض بأحكامه مع القوانين العلمانية السارية في الدول التي له فيها جمهور، وأكبر مثال على هذا الخلاف حول حق المرأة بالإجهاض، فإن كانت الكنيسة تمنعه هي لا تملك أي سلطة لتنفيذ هذا المنع المباح. لكن رغم هذا لبابا الفاتيكان تأثير كبير والأهم خطاب واضح لا تلاعب فيه. أن انعدام توحيد الخطاب الإسلامي فيما يخص مواضيع حساسة من شأنه هدم الأسرة الإسلامية نواة المجتمعات ومن شأنه كذلك تشويه صورة الدين الإسلامي.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »