العدد الخامس و العشرين ..شهر شباط فبراير من عام ٢٠٢٤..الحضور النِّسْوي في مهرجان القامشلي المسرحيّ
رغم كل المحاولات لتعزيز الحضور النِّسْوي السياسي في الحياة العامة السورية من خلال العديد من المبادرات، إلا أنَّ الحضور النِّسْوي السوري لم يتعزّز إلا على المستوى الفوقي في المحافل الرسمية مثل الهيئة التفاوضية، واللجنة الدستورية، بينما كان وما زال المطلوب تعزيز هذا الحضور على المستوى الثقافي والدرامي، والمسرحي.في هذا الموسم اختار أحد أعضاء لجنة المشاهدة والتحكيم في مهرجان القامشلي المسرحي أن يُطلَق مهرجان (الشهيد “يكتا”) المسرحي في موسمه الخامس تحت شعار “صرخة واشوكاني”.شاهدت لجنة اختيار العروض أكثر من عشرين عرضاً مسرحياً في كل من “الحسكة، وديريك، والرميلان، وتل كوجر، والرقة”، واختارت اللجنة تسعة عروض مسرحية، منها عرض بعنوان “الصرخة” للسيدة فاطمة أحمد من مُهجَّري عفرين، وتقيم في الحسكة، وعرض من القامشلي بعنوان “السلام في أجنحة العصافير”، من إخراج ساريا كولان، وكانت قد قدمت كولان عرض منودراما “أنا أصرخ” إلى لجنة المشاهدة، ورغم أنه لم يحظَ بقبولها لكنه كان جزءاً من المهرجان.
أنا أَصرُخ:
قدّمت الممثلة شيفين خليل عرض “أنا أصرخ” من إخراج وإعداد ساريا كولان، حيث ترصُد الحكاية قصة سجينة سياسية لدى البوليس الإيطالي انفصلت عن زوجها الصحفي الألماني، وتبلغ من العمر (41 عاماً)، لديها ولدان، وتحاول إيصال صوتها خارج جدران الزنزانة التي تعيش بها.
تقوم المونودراما على خطاب تحرّر المرأة الذي لا يقف عند حدود الدول، ويتخطى العوائق ليصل إلى كل النساء في العالم، فالمكان المسرحي الأبيض الذي تعيش به يوحي بمصحة أكثر منه سجن. يعمّ السكون القاتل الذي لا يوحي بالجديد، يوجد كرسي في الغرفة تستخدمه كمنبر لتُبْلِغ خطابها التحرري النِّسْوي طالبةً أن يصل صوتها إلى جميع النساء، لكن المكان لا يقدم ما تريد. تتسلل إضاءة الألوان الأخرى قليلاً.. ربما من خلالها تستطيع تحديد الزمن لديها سواء أكان نهاراً أم ليلاً.
تحاول التواصل من خلال التخاطر مع النساء، وتوجّه لهم صراخها لعله يصل، فحريّتها محجوزة في الغرفة البيضاء.وخلال حركتها حول الأدوات الموجودة في (الغرفة- الزنزانة)، “الطاولة البيضاء، الجدار الأبيض، لمبة الإضاءة البيضاء، والشرشف الأبيض”، لا صوت يأتي من الخارج، كل ما هو موجود بلا صوت إلا صوتها الداخلي الذي ينسج عوالمه الخيالية.
تستكمل خطاباتها بعرض فيلم وثائقي بصري على شاشة بيضاء عن نضال المرأة التحرري للعديد من المناضلات النِّسْويات.
تنتقل بعد ذلك لمخاطبة الذكور الرجال، بالقول: “أنتم لوّنتم زوجاتكم اللون الزهري، شفاه حمراء، عيون زرقاء، وتجبرونني على اللون الأبيض؟، لن أكون امرأة مثل زوجاتكم، لذلك أرتدي الزي القصير الذي يدلّكم على عدم إطاعة رغباتكم”.
أثناء أداء منولوجها، يفتح باب الغرفة، وتوضع “صينية الطعام” على الأرض، دون أن يكترث بها من يدفع الطعام لها، وتكمل خطابها المناوئ للدولة متهمةً إياها بأنها تحاول قتلها.
وتتابع خطابها في حالة تصاعدية منها لإيصال صوتها: “أيُّها الحرّاس، أيها السياسيون، أنتم لا تعنون شيئاً لي، أنتم الدولة القاتلة للناس، أيها المحامون، أيها القضاة ممنوع أخذ الصور أثناء المرافعة، إن النساء في العالم يجب أن تتحرر من سيطرة الذكورية، من هيمنة المجتمع الذكوري”.
تُظهِر مونودراما “أنا أصرخ” الخِطاب السردي بدون أفعال مع المكان والجسد والأدوات، وكأنها فعلٌ خطابي على المسرح بعيداً عن الأفعال التي تجسّد الخطاب، خصوصاً أن هيئة المحكمة والمحامين والسياسيين التي تتوجه لهم غير حاضرين، فالمسرح ليس خُطبة لاذعة عن الحرية والأحرار، وإنما أفعال مسرحية مدروسة تُظهر علاقة الجسد، والأدوات بالخطاب الذي يقوم به الممثل، والخطاب النِّسْوي التحرري على المنصة المسرحية يحتاج إلى أدواته من مرونة جسدية تساعد في إيصال هذا الخطاب إلى المشاهد المسرحي الذي ينبغي حصوله على متعة تجسيد هذا الخطاب.
الصرخة:
العرض الثاني النِّسْوي الذي قُدِّم على منصة محمد شيخو في القامشلي كان بعنوان “الصرخة” من تأليف وإخراج وموسيقا وديكور فاطمة أحمد، وتمثيل جمانة بشير شيخو بدور سارة، مصممة الأزياء، جاندا كاوا أمين بدور منى، مسوؤلة عن إدارة المصنع، روسيم رضوان أمين بدور زوزان، عاملة ومقربة لسارة، هولير إدريس عاملة في المصنع، دارين أحمد بدور جلنار، عاملة في المصنع، ويضاف إليهن آية رضوان أمين، مصممة ومنفذة الإضاءة.
تبدأ حكاية العرض من خلال العاملات في مصنع للألبسة، يذهب صاحبه إلى الحج، وتتابع سارة أحلامها وآمالها في حياة هانئة تسعى لتحقيقها من خلال المطالبة بزيادة للأجور، والرواتب للعاملات، ويظهر إلى جانب سارة مجموعة كراتين لتعبئة المنتج من أثواب الخياطة المنجَزة، وتقوم عاملات قسم التعبئة في المعمل بطيها ووضعها في علب التصدير.
كانت إحدى رؤى سارة قدوم فارس أحلامها الذي تحبه لانتشالها من هذا الواقع المرير الذي يجسد معاناة الطبقة العاملة في المنطقة، وذلك لا يتحقق، فعدد من النساء لا يشاطرن سارة أحلامها الكبيرة، لكن تغيّر هذا الواقع يحتاج أفعال، لا عبر العودة لحديث الجدات “حظ الفتاة ونصيبها في الحياة، بالعريس الذي يفرضه المجتمع عليهن”.
وتتساءل: “هل أنا مجنونة؟!” تجيبها إحدى زميلاتها: “أنت تعبانة سارة خانم، أنت تحكي، ولا تعملين؟!”فتجيب سارة: “نحن نعمل مثل العبيد منى خانم؟!”وتكشف منى الإدارية أن لسارة “كرتونة” تحتفظ بها مجموعة من الأزياء التي صنعتها بالمعمل لكي تكون جزءاً من جهاز عرسها.
وهنا يندفع الفعل المسرحي نحو الصراع، وتشابك بالأيادي بين سارة ومنى، فتتدخل العاملات لإنهاء الصراع، وتعبّر سارة عن حزنها في تمزيق، ونثر أزيائها على أرض المعمل، وينتهي العرض المسرحي في حالة لاستمرار الصراع في المعمل.لم تستخدم الممثلات الأدوات بشكل صحيح، وطبيعي خصوصاً في تعريب الخيوط الزائدة في كل قطعة من الأزياء التي يعملن عليها، ويعرف أن طاولة القص في المعامل الصغيرة، والكبيرة تحتوي على مقصدار آلي، وليس مقص خياطة كبير يدوي.شكل الانفعالات التي تظهرها كل ممثلة لم يكن منسجماً مع الحالة المطلوبة منها في أداء دورها، فالسعادة عند الانتهاء من قص ثوب، أو تطبيقه لا تظهر أبداً، وتسجل للعرض المسرحي تناوله لقضية صراع العاملات مع صاحب المعمل من زاوية المطالبة برفع الأجور.
السلام في أجنحة العصافير:
العرض النِّسْوي الثالث في المهرجان كان للمخرجة ساريا كولان بعنوان “السلام في أجنحة العصافير”، وتقوم بتمثيل أدوار “النوارس” زلال موسى، وشفين خليل، ورهف زلفو. و”الغابة”، براءة حسن. و”جن الغابة”: جفين خليل، والطفلات روز حسن، وهيلين سليم، وسيما خلف، وتالا سعيد.
بينما أدت ديانا مراد دور “الأم”، و”معمل الأسلحة”، بالإضافة إلى سيدرا حسن. والموسيقا زينب منصور.حكاية العرض تتناول قضية الحرب والسلاح والطيور، ودورها في صنع السلام في المنطقة التي تدور فيها الحرب.
تصاب إحدى طيور النورس برصاصة نتيجة الحرب بين سكان المدينة الذين يتقاتلون، ويهرب من الحرب مع أسرته، وأطفاله من يستطيع الهروب لأجل حياة آمنة ومستقرة بلا حرب، لأن الأطفال يخافون الحرب.
ينتقل العرض لقضية الغابة التي تزداد حرائقها، وتطلب المساعدة من البشر، والناس الذين كانوا يعيشون ويتنزهون بها، من أجل استمرارها كغابة خضراء، وليس كفحم محروق، وتفعل الطيور والبشر ما بوسعهم لإطفاء الحريق.
يشترك البشر والعصافير المحبين للسلام في حملة إعلامية مناهضة لتصنيع الأسلحة، فيحولون معمل الأسلحة لإنتاج البالونات، بينما يوزع مكتب إكثار البذار حبوب القمح لزراعتها من أجل استمرار الحياة.
إنّ الحرب تجعل الجميع خاسرين، بينما الزراعة والإنتاج الزراعي تجعل إمكانية استمرار الحياة ممكنة، والفائدة للجميع.
ملاحظات عامة:
عانت العروض النِّسْوية من ضعف في اختيارات النصوص، وإعدادها لتكون قادرة على منافسة بقية العروض، فالمسرحيتان اللتان شاركتا في المهرجان، نالتا جائزة السينوغرافيا مسرحية “السلام في أجنحة العصافير”. كما عانت من ضعف الإخراج والتمثيل، حيث لم تنل أي من الممثلات أي جائزة، بينما ترشحن إلى جوائز أخرى. لكن هذه الملاحظات لا تنفي أهمية الحضور المسرحي النِّسْوي في المهرجان، ما يؤسس لحالة مسرحية نسوية ناضجة قابلة للتطور في مدينتي الحسكة، والقامشلي، خصوصاً أن جائزة أفضل ممثلة ذهبت إلى هفيدار من الحسكة” المشاركة في عرض “الاعتراف”.
وذلك يوضح وجود مواهب في الأداء التمثيلي، إذ جرى توظيفها في المكان الصحيح داخل العملية المسرحية لتكون قادرة على لعب دور إيجابي في إبراز هذا الحضور النِّسْوي في المسرحي.
أخيراً، فإن المشاركة النِّسْوية في التأليف، والإعداد، والإخراج هو مشروع عبر طرح الرؤى الخاصة بكل مؤلفة ومخرجة، ومعدّة بحيث تغني المهرجان من بوابة الفعل، والقول المسرحي عبر المنصة المسرحية.