العدد السادس و العشرين .. النصف الاول من شهر مارس آذار من عام ٢٠٢٤…النساء في سوريا.. عقود من الإقصاء والانتهاكات
مقدمة
بحسرة تقول عائشة الخلف (22عاماً) وهي من مدينة دير الزور, “كنت أتمنى أن أصبح معلمة لكن الحرب وعائلتي منعتني من الوصول لحلمي, أنهيت الثانوية لكن لم يسمحوا لي أن أكمل تعليمي الجامعي, جعلني ذلك أمرّ بأزمة نفسية”.
وتضيف: “المرأة في مجتمعنا مقيدة، لا قرار لها في حياتها الشخصية والعملية أيضاً”.منذ اثنا عشر عاماً وأزمة حقوق النساء في سوريا تتفاقم وتتجه نحو الهاوية, حيث ساهمت الحرب بانتقاص حقوقهن وتزايد الانتهاكات بحقهن, مخلفةً آلاف الضحايا والناجيات من العنف الجنسي والأسري والزواج القسري وزواج القاصرات, وعانت المرأة بشكلٍ كبير من التطرف الذي طغى على العادات والتقاليد خلال أعوام الحرب, كما سلبت منهن حقهن في حياة كريمة واعتدت على حقوقهن الإنسانية المشروعة.
وخلقت الحرب المستمرة، مفارقات كبيرة فيما يتعلق بالنساء السوريا, فهن إما مارسن دورهن بشكل كامل وأحدثن تغيراً على الصعيد الإنساني والسياسي والاقتصادي والصحي في البلاد, أو أصبحن ضحايا وناجيات بسبب الأزمات في البلاد, ويحكم على ذلك أيضاً انقسام البلاد لأربع مناطق وهي مناطق حكومة دمشق والإدارة الذاتية والمعارضة وهيئة تحرير الشام, وكل شكل من أشكال السلطة ساهم إما بهدم المرأة وإقصائها عن الحياة الاجتماعية وارتكاب الانتهاكات بحقها وإحداث عقبات لها على كافة الأصعدة أو عزز مكانتها وشاركها في كافة مناحي الحياة.
إحصائيات
ومنذ بداية عام 2023 سجل القسم الرصد والتوثيق , مقتل 37 سيدة بطرق خارج نطاق القانون وإصابة 28 أخريات, وانتحار 8 سيدات, كما واختطفت واعتقلت بشكل تعسفي 60 سيدة 46 منهن في مناطق هيئة تحرير الشام.
بينما سجل خلال عام 2022, مقتل 360 سيدة واختطفت واعتقلت بشكل تعسفي أكثر من 250 أخريات, وانتحار 196, كما سجل أكثر من 190 حالة اغتصاب 75 منها في مناطق سيطرة فصائل المعارضة الموالية لتركيا.
الوضع العام للنساء في سوريا
تتعرض الكثير من النساء السوريات للعنف والتعذيب والقتل والاستغلال الجنسي والجسدي والتمييز وعدم المساوة، وهي أمور موجودة سابقاً إلا أن الحرب فاقمت منها، وبشكل مباشر، ظروف النزوح والفلتان الامني, وبحسب رصد القسم فإن 65% من السيدات السوريا تتعرضن للتمييز القائم على النوع الاجتماعي بأشكال مختلفة ويواجهن تحديات كبيرة بمثابة مساومة بينها وبين المواجهة من أجل البقاء.
حيث تنامت قضية زواج القاصرات خلال سنوات الحرب في سوريا, والتي تعد واحدة من انتهاكات حقوق الإنسان, وبحسب دراسات بلغت نسبة الزواج المُبكّر في سوريا 50%, ويعود السبب لانعدام الأمن وظروف النزوح والتّهجير, وأيضاً العوز الاقتصادي سواءً في المدن أو داخل المُخيّمات, وتنتشر الظاهرة بشكل كبير في مناطق سيطرة فصائل المعارضة الموالية لتركية وهيئة تحرير الشام، بسبب ما تتعرض له النساء هناك من عنفٍ واستغلالٍ جنسي يُستخدم كسلاح حرب لإرهاب السكان, وتعتبر العائلات التي تزوج بناتها في سنٍّ مُبكّر أنهم بذلك يحمونهن من الخطف والتحرُّش والاغتصاب.
أما الأعراف وتقاليد المجتمع السوري فقد عززت الانتهاكات بحق السيدات وسلبتهن من حقوقهن, تحت مسمى غسل العار ومسائل شرف، وأن النساء يجب أن تلازمن منازلهن, وساهمت بتغاضي القانون أيضاً عن قضايا العنف الأسري والمجتمعي وحتى التحرش الذي غالباً ما يخلّف مضاعفات نفسية وجسدية شديدة للسيدات, حتى باتت هذه الانتهاكات قضايا “عادية” يتقبلها المجتمع وأفراده.
لم تكف الأعراف والتقاليد عن تعزيز الانتهاكات بل ساهمت في خلق أجيال أمية من النساء ظللن مقيدات بالعادات والتقاليد التي فرضت عليهن.
تقول يسرى الأحمد (25عاماً) وهي سيدة من مدينة دير الزور لنورث برس, “عائلتي لم تدعن أكمل تعليمي, رفضوا أن أتعلم والآن يسمحون لي أن أعمل, أهلي المسؤولين عن عدم قبولي في أي عمل وعن الظروف الصعبة التي أواجهها الآن”.
أما على صعيد الزلزال الذي ضرب سوريا في 6 شباط/فبراير المنصرم, ظهرت تحديات جديدة للنساء تجبرهن على تحمل ظروفٍ قاهرة من أجل البقاء, وزادت احتمالية تعرضهن للاستغلال الجسدي والجنسي والمضايقات المجتمعية والأمراض, بالإضافة إلى أنهن يعشن في مراكز إيواء مع عشرات العائلات الأخرى, ومنازل غير آمنة مهددين بانتهاك خصوصيتهن.
لم تنصف القوانين في سوريا السيدات بل حتى تضمن الدستور السوري العديد من النصوص التمييزية بين العقوبات الموجهة للمرأة والرجل, واستندت في أحكامها وموادها على الأعراف والتقاليد وصاغتها على شكل قانوني وهي في الواقع مخالفة للقانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان, كونها تخفف من عقوبة الجاني ولا تأخذ آلام السيدات وما ارتكب بحقهن بعين الاعتبار وأبرزها المواد 472 و473 و474.
وشجع القانون السوري بمواده التمييزية على أساس الجنس بشكل غير مباشر، الانتهاكات التي ترتكب بحق النساء وساهمت بإفلات مرتكبيها من العقاب, بالرغم من أن سوريا هي أحد الأطراف الموقعة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة منذ عام 2003.
وبالرغم من أن الحرب ساهمت بتدهور حقوق النساء إلا أنه في الوقت ذاته, ساعدت المنظمات الإنسانية المهتمة بشأنهن بإحداث تغييرات وتحقيق قصص نجاح لعدد من السيدات, وساهمت بتوعية المجتمع والسيدات بحقوقهن وواجباتهن وضرورة عدم صمتهن أمام أي اعتداء قد تتعرضن له.
بنظرة حقوقية!
يقول الدكتور لؤي شبانة ، المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان، “أصبح وضع النساء والفتيات في سوريا والمنطقة الآن أسوأ مما كان عليه منذ بدء الصراع, إنهم يواجهون تحديات هائلة، بما في ذلك المخاطر المتزايدة على صحتهم وسلامتهم”.
وذكرت صندوق الأمم المتحدة في تقرير له, أن ظروف عدم الاستقرار والنزوح المستمرة منذ أكثر من عقد يؤدي إلى زيادة المخاطر على النساء والفتيات بشكل حاد ونقاط ضعفهن أمام أشكال متعددة من العنف الجسدي والجنسي، كما يساهم في ارتفاع معدلات زواج الأطفال.
بينما ذكرت هيومن رايتس وتتش في تقريرها السنوي، أن المرأة السورية ما تزال تواجه التمييز فيما يتعلق بالزواج، والطلاق، وحضانة الأطفال، والميراث بموجب قانون الأحوال الشخصية.
وقالت سماح حديد، مديرة حملات الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية في تقرير للمنظمة, “عانت النساء السوريات بشكل هائل خلال النزاع، مع ذلك لم يستسلمن، وأصبحن بدلاً من ذلك بطلات شجاعات كل يوم, فهن ناشطات سياسيات، ويقمن بالإبلاغ عن الانتهاكات التي يرتكبها من هم في السلطة, والعديد من هؤلاء النساء يعتبرن المعيل الوحيد لأسرهن، ويخاطرن بحياتهن لتجرؤهن على رفع أصواتهن”.
وأضافت: “يجب إشراك النساء السوريات في المناقشات حول ماضي ومستقبل بلدهن، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي, فوضع حد للتمييز القائم على النوع الاجتماعي أمر حاسم لضمان المساءلة، وبناء مجتمع عادل في سوريا “.
في يوم المرأة العالمي يجب التذكير بأن حماية النساء ودعمهن واجب, والنساء السوريات من أكثر النساء المعرضات للعنف والاعتداء والتمييز، لذا يقع على عاتق المنظمات الحقوقية المحلية والدولية العاملة في المنطقة حمايتهن وتوعيتهن بشكل أكبر بحقوقهن, وعلى وسائل الإعلام المساهمة بذلك أيضاً, كما يقع على عاتق المجتمع الدولي حمايتهن الوقوف بجانبهن والحد من الإفلات من العقاب بالقضايا المتعلقة بالمرأة وتقديم الدعم النفسي وجبر الضرر للناجيات.