العدد السابع و العشرين ..النصف الثاني من شهر آذار مارس من عام ٢٠٢٤..تحرير المرأة من المعتقدات الدينية الخاطئة مطلب إنساني
الخطاب الأصولي اتكأ على فهم ظاهري لبعض الآيات والأحاديث ولم يجتهد في مواكبة التطورات التي عايشتها المرأة.
اتساع دوائر المعاناة التي تعيشها المرأة في المجتمعات العربية وتصاعدها نتيجة ما تشهد المنطقة العربية من صراعات ونزاعات، يجعل قضيتها محور تساؤلات لا تنتهي للثقافة الإسلامية والعربية ولصورتها في الخطاب الأصولي السلفي وفي الواقع السياسي والإعلامي. كتاب الناقدة أماني فؤاد “المرأة ميراث من القهر” يطرح تلك القضايا التي لا تزال تلقي بظلالها السلبية على وضع المرأة وعلى حقوقها الإنسانية الأساسية.
شددت الكاتبة أماني فؤاد في كتاب “المرأة ميراث من القهر” الصادر عن الدار المصرية اللبنانية على أن الخطاب الفقهي الأصولي اتكأ على فهم ظاهري لبعض النصوص من الآيات أو الأحاديث أو التفسيرات التراثية التي لم يجتهد أتباعه في مواكبة العصر والتطورات التي لحقت بالمرأة، والتغيرات النوعية والمعرفية وبنية الشخصية التي استجدّت على كيانها، نتيجة لتراكم التطورات التي حصلت لها بعد التعليم والخروج للحياة العامة، وثبوت جدارتها في كثير من مناحي العمل والحياة. كما لم يطوّروا من بحوثهم وسعيهم إلى إدراك العلوم المختلفة ليتعرّفوا على المستجدّات الحضارية التي أقرّتها الفلسفات والعلوم الإنسانية والطبيعية، والقوانين التي أقرّتها معظم الحضارات الأرضية للمرأة وحقوقها ومكتسباتها.
وأشارت إلى أنه كان يُفترض مع التقدم العلمي والاجتماعي في العصر الحديث، وامتداد أطياف الحداثة ووصولها إلى بقاع متعددة في العالم، أن تتغير ذهنية الرجل الشرقي، وتخرجُ الثقافة العربية الإسلامية عن مسارها الدوغمائي ونزعتها الذكورية، وكان يفترض كذلك أن يلغى التمييز بين الرجل والمرأة، وتختفي أشكال العنف والاستغلال والإكراه الواقعة على المرأة، إلا أن ما حدث، سواء في الغرب أم في الشرق أظهر بوضوح أن قيم الحداثة أصيبت بهذا الداء الأزلي، وهو الفجوة بين مثالية التنظير وقصور التطبيق.
تناولت أماني فؤاد الواقع السياسي والقانوني وما يمارس ضد المرأة في مصر، كما تطرقت في مباحث كتابها إلى رؤى الإعلام والدراما التلفزيونية والبرامج الحوارية الإعلامية للمرأة، ونوّهت إلى السيطرة الذكورية على الساحة الإعلامية (إعلاميين وضيوف متحدثين) ترسم للمرأة قضاياها وطرق طرحها وكيفية معالجتها، ويتم ذلك أحيانا دون وجودها، ولو وجدت يكون تمثيلها ضعيفا كمّا وكيفا.
وأكدت فؤاد أن ثقافة المجتمع الذكوري اعتادت أن تترك للنساء فتات الموائد من العمل السياسي والبرلماني والحزبي. تترك لهن المهمّش من الأدوار، لينال الرجل في السياسة الدور الأكبر والبارز من المهمات، الدور الدعائي واستعراضي التوجهات، ليحظى بالضجيج الإعلامي وتنطلق حناجرهم بدعوات “الرفق بالقوارير”، فهم يشفقون على النساء من الإرهاق، أو دعواهم أن النساء لسن مؤهلات لكثير من الأدوار، لانعدام الخبرة أو عدم تراكمها، أو أن المجتمع ذاته غير معدّ لاستساغة النساء في المواقع القيادية، ولنا عبرة في ما حدث بشأن تعيين القاضيات النساء في مجلس الدولة في مصر وغيرها من الوظائف في بعض التخصصات الأخرى التي عرضتها سابقا، وكل هذه دعاوي من لا يريد أن يفقد مكتسباته التي يهبها له المجتمع بثقافة طواعية.
فبعد أن يعتاد العقل الجمعي على الكائن الذي استقر، يقاوم أي زحزحة تطاله بعنف، فكل تغيير يواجه بالرفض خاصة إذا وجد في الموروث الثقافي المنتسب للدين مقولات من قبيل “لعن الله قوما ولّوا أمرهم لامرأة”، وإن كان لهذا الحديث شرط زماني ومكاني وسياق يرتبط بواقعة بعينها، وقوم محددين بذواتهم، ولا يمكن سحبه على سائر الأقوام والوقائع، إلا أن الوعي الجمعي الذكوري ينتقل بهذه المقولة من نسبية الواقعة وخصوصيتها ليعمّم دلالاتها ونتائجها من أجل مصلحته، وهو ما يخالف قواعد أصول الفقه ذاتها.
وفي تناولها لتجليّات الكتابة الأدبية والمرأة، وفي مبحث “المرأة ثورة لم تنجز في أدب نجيب محفوظ.. الحرافيش نموذجا”، رأت فؤاد أنه “على الرغم من قدرة نجيب محفوظ على تطويع الفلسفة ونظرياتها المختلفة والخروج بها من تجريدها وتعاليها إلى دماء وطين الحياة والغوص بها في جوهر الصراع الإنساني والمجتمعي، بل وتغليف يوميات الإنسان وأحداثه، وأفكاره وصراعاته، بأسئلة الفلسفة الرئيسة في قصة الوجود البشري، في أكثر عناصرها إلحاحا وتكرارا في حياة الإنسان، إلا أنه لم يخلق شخصيات نسائية ثائرة تعرض لخصوصية تكوين المرأة النفسي والعقلي الذي كان نتيجة للسياق المجتمعي التاريخي التراكمي الذي شكّلها. وهو العاشق والدارس للتاريخ البشري بكل مراحله”.
وتابعت “وبقدر قدرته على بلورة رؤية لقضية الإيمان عند الإنسان، وركونه إلى مفاهيم صوفية روحانية متسامية، تنشد الاتصال الاندماجي في علاقة حب خاصة، تسعى إلى التوحد بالمطلق الإلهي ومحاصرة الفكر القطعي النصي بمختلف صوره، إلا أنه جنّب المرأة خوض هذا الصراع الفكري وطرح هذه التساؤلات التي تتعلق بقضايا الإيمان، فانحسر دورها في التبعية، ولم يتعرّض حتى من خلال نثر الأسئلة إلى ما يطلق عليه البعض ‘الثوابت الدينية والمعتقدات’ التي تتعلّق بالمرأة في تلك الموروثات.
وبقدر توالي ثوراته الفنية وتحوّلاته ومراحله المتتابعة في كتابة النوع الأدبي الرواية والقصة، ومواكبته لكل التطورات والمذاهب والتيارات الفنية التي عبّرت عن التغيّرات الاجتماعية وانصهر فيها الشكل والمحتوى في أعماله الأدبية الخالدة، إلا أنه على المستوى الاجتماعي الإنساني لم يقدّم للمرأة في المجتمع المصري والعربي ثورة حقيقية تعيد النظر في المفاهيم المجتمعية التي تؤطر المرأة في مواضع تحدّ من دورها كإنسان كامل الأهلية والطاقات، كامل الحقوق والواجبات بل ساهمت بعض المعالجات الدرامية لنصوصه وخاصة تلك التي تحولت إلى دراما سينمائية -وهو ما لا يقع على عاتقه- في ترسيخ تصور محدود للمرأة، بل يميل إلى الموقف السلبي في أعمال كثيرة”.
وخلُصت فؤاد إلى أن الدعوة إلى تحرير المرأة من قبضة التأويلات الخاطئة والهيمنة الذكورية، وخلاصها من امتهان الكرامة والتبعية لا تُعدّ مطلبا نسويا خاصا، وإنما مطلب إنساني في العموم لكل من يحترم إنسانية الإنسان ويؤمن بقيمة العدل والمساواة ويرفض العنصرية والتمييز.
وأكدت أمان مي إلى أن هذا المطلب هو مطلب كل العقول المستنيرة من الرجال والنساء، التي تدرك أن المرأة هي نصف طاقة المجتمع، ولا يمكن الوصول لمجتمع مدني متحضر تسوده العدالة والرفاهية، يستطيع مواكبة العصر علما وفنا وإنتاجا، مع إهدار نصف طاقته، وسقوط النصف الآخر المتبقي في براثن الجمود والتقليد والتسلّف الماضوي، ومغادرة عربة التاريخ بالانكفاء على ثقافة القرون الماضية ومعطياتها التي لم يعد الكثير منها صالحا لديمومة الحياة ومواكبة تطورها. ولذلك فإن قضية المرأة وحقوقها وحريتها واجب إنساني ومعرفي وقومي.